توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : عناد ترامب في مواجهة صمود السيسي .. شتاء عاصف للعلاقات المصرية الأمريكية

لم تكن علاقات مصر والولايات المتحدة في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالدفء الذي بدت عليه حتى رحيله الثوري نهاية 2020، قبيل اقتحام الكابيتول، وقذف الديمقراطية الأمريكية في ملعب اليمين المتطرف لإفساد نصر الديمقراطيين، وهي مرحلة تحول في سياسات ترامب، الذي لم يغادر ساحة المعركة للحظة خلال إدارة بايدن، ليخطط للعودة إلى البيت الأبيض، وبنفوذ أكبر وسيطرة فوقية للسلطة التنفيذية، تسهم في تبعية السلطتين التشريعية والقضائية لأهواء الرجل البرتقالي، وفي شهر واحد اختبر ترامب هذا النفوذ بأوامر تنفيذية فاعلة، حاول القضاء إيقاف بعضها، ولكن بقاء الكونجرس بمجلسيه جمهورياً، يسهم في تمرير قوانين تخدم مشروع ترامب “أمريكا أولاً”، وهو الأمر الذي فشل فيه مع الأغلبية الديمقراطية خلال ولايته الأولى، بتصدر نانسي بيلوسي المشهد التشريعي، وعرقلة كل ما يلقي به ترامب إلى المشرعين الأمريكيين من قوانين، وهو الحاجز الذي أزاله ترامب برعايته لانتخابات 2022 التشريعية، ثم انتخابات 2024 التي حسمت أغلبية المجلسين للحزب الجمهوري.

ومع سطوة ترامب وقوته المفرطة في الداخل الأمريكي، علينا التأكد أن ترامب عاد لينتقم ممن خذلوه، ويبتز من تطاله أياديه لتحقيق انتصار اقتصادي وسياسي يتناسب مع النتائج التاريخية التي حققها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبالتالي لن يصبح الحياد الذي اتخذته القاهرة من قبل صالحاً للتعامل مع أطماعه المتنامية، وأصبح على مصر أن تعمل على مواجهة ترامب دون إثارة حفيظته وإيقاظ عناده، الذي يجعل منه مصارعا غاضباً مثل الذي حلم أن يكون عليه يوماً ما، فمصر تواجه مخططات التهجير، لوقف محاولات تصفية القضية الفلسطينية وانتزاع استقلال غزة قبل طرد أهلها، كما تواجه مصر مسار ترامب المقدس لقطع حزام الصين حول العالم بسيف الهند، وهو أمر لا يمثل تأثيراً كبيراً أو قاتلاً لإيرادات قناة السويس، بقدر ما يؤثر إيجاباً على تنافسية مرور البضائع عبر ممر ترامب للتنمية، والذي قد يمثل ضربة قوية للصادرات الصينية، لتنقل الولايات المتحدة مصنع العالم من الصين إلى الهند بهذا المشروع، وهو ما قد يشجع نيودلهي على مغادرة بريكس أو إهمالها لصالح مرور صادراتها عبر الخليج والأردن إلى إسرائيل، ومنها إلى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، في مراحل معقدة لا يريد ترامب تجاوزها جميعاً، بل يركز على قطع طريق الشرق الأوسط أمام الصين، وهو ما يستلزم حرصاً على التهدئة حتى لو كان ذلك بالتلويح بالحرب، فقط لإملاء الشروط والفوز بصفقةٍ مربحة.

العمل لصالح تل أبيب الآن ورقة لعب رابحة يحتاجها ترامب في الداخل الأمريكي، للاستفادة من دعم اليمين لمحاولات اجتثاث جذور الدولة العميقة التي يستحوذ عليها الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، إضافة إلى محاولة تمرير مشروع ممر الهند التجاري الذي يرى جدواه الاقتصادية كبيرة، وانعكاسه السلبي على الصين قاتلاً لصادراتها، بغض النظر عن ريفييرا الشرق الأوسط التي لوح بها، والذي لن يضيره فشل مسعاه إذا ما تم تأمين شمال غزة بإبعاد حماس عنه، خاصة وأن المسار المقترح يقتطع أراضي الضفة الغربية لا أراضي غزة، لهذا على القاهرة أن تتحضر لمواجهة مصيرية، بالمضي قدماً في إعادة الإعمار حتى لو تهدم ما بنته سابقاً، ومحاولة استغلال نفوذ القوى العربية، لتأجيل المنح السخية المرتقبة لترامب، مقابل موقف متوازن وممتد تجاه غزة، لأن ترامب الذي تراجع عن تشدده وأوصى بالفكرة دون أن يفرضها كما قال، سيعاود المحاولة مجدداً لجني المزيد من المال، وقد تكون العلاقات بين ترامب والسيسي جيدة في ظاهرها قبل التلويح بمخطط التهجير، إلا أن قتاله لفرض مشروعه على حساب مصر والأردن وقبلهما الأراضي الفلسطينية، يمثل تهديداً للأمن القومي لن تساوم عليه القاهرة، التي لم تكن يوماً قريبةً من واشنطن خلال حقبته، بل مثلت سنواته الأربع في البيت الأبيض فترة حياد سياسي، اقتصر على مجاملات متبادلة، ومحاولة لكسب تأييده لموقف مصر بشأن حقوق مصر المائية.

وكرجل يبحث عن دور مستعيناً بخبراته في عقد الصفقات، ستجد أن الرجل البرتقالي محب الأضواء، كاد يحسم أزمة سد النهضة الإثيوبي مجاملةً للسيسي، لولا انسحاب أديس أبابا في مراحل الاتفاق الأخيرة، ليبرز عناد ترامب انتقاماً لكرامته كرئيس أقوى دولة في العالم، بمنح السيسي الضوء الأخضر لضرب سد النهضة بشكل علني وعبر وسائل الإعلام، وهو الفخ الذي لم تقربه مصر واستعاضت عنه بخطوات تصعيدية أخرى، لترشيد قوة جيشها استعداداً لمواجهة آتية لا محالة، وهو ما يؤكد أن كبرياء ترامب يشكل رقماً كبيراً في معادلة تسوية القضايا الخلافية، فترامب تحول إلى مطية لبوتين خلال ولايته الأولى، بمجاملات ترضى الأنا المتضخمة لديه، فهي شهادة من القيصر يريدها ويستمتع بها، مقابل تغاضيه عن طموحات موسكو التوسعية عبر تمدد الاتحاد الروسي، وهي المجاملات التي عاد صداها ليتردد في التصريحات المتبادلة بين الرئيسين ومسئولي البلدين، بعد مكالمة ترامب وبوتين تحت ستار إنهاء الحرب الأوكرانية، في مفاوضات تغيب عنها أوكرانيا، ويتم التحريض تجاه رئيسها الذي يلقى جزاء سنمار الآن، بعد أن دفع بلاده إلى حرب وكالة دمرت بنيتها التحتية والاقتصادية والعسكرية، إرضاءً للإدارة الديمقراطية في واشنطن، التي غادرت غير مأسوف عليها، بعد أن منحت ترامب فرصة حكم العالم، لينكل بزيلينسكي ويدفعه لتعويض أموال واشنطن التي استنزفها جنود بوتين للتكفير عن خطايا بايدن، وتحميله أضعاف كلفة الدعم العسكري الأمريكي من دماء الاقتصاد الأوكراني المنهك، بامتصاص نصف مليار دولار من المعادن النادرة والثمينة، في ابتزاز علني للكوميديان السابق الذي حوله ترامب إلى ديكتاتور للتو.

التطورات الأخيرة صرفت نظر ترامب عن الشرق الأوسط، فعداء ترامب للاتحاد الأوروبي ليس أكثر من رفع لسقف التفاوض، ليقبل الجميع رؤيته لإنهاء حرب لا تجلس على مائدة التفاوض الدولة التي تدور هذه الحرب على أراضيها، رغم أن بوتين نفسه لوح بقبوله انضمام الأوروبيين إلى مفاوضات السلام، وزيلينسكي أدرك الآن أنه راحل لا محالة، وعليه أن يدفع ما اعتقد أنه مكاسب الحرب، ليدفعها بالفوائد من ثروات بلاده، لأن ترامب يحمل أوكرانيا كل ما أنفقته واشنطن من مساعدات، إضافة إلى ما تلقاه من أموال روسية جمدتها دولاً غربية، لهذا لم يعد على الرياض الاهتمام بهذا الملف بعد أن حققت غرضها السياسي والدبلوماسي منه، ولكن عليها استغلال القمة المرتقبة التي تستضيفها، للتأكيد على الموقف العربي الموحد، لأن اختيار ترامب للرياض من وجهة نظره بالطبع، وسيلة للتقرب من احتياطياتها الدولارية، ولن يفوت فرصة القمة لمغازلة ولي العهد السعودي لنهب التريليون دولار التي طلبها علناً، ومحاولة شق الصف العربي تمهيداً لتحركات ما بعد مفاوضات أوكرانيا، وهو ما يستوجب تنسيقاً عربياً على أعلى مستوى، مع دعم الموقف المصري الراسخ والرافض للتهجير، حتى تعمل مصر على تحضير ورقة ضغط مناسبة أقل إيلاماً من التلويح بنقض معاهدة كامب ديفيد، واللجوء للخيار العسكري في التعامل مع مخططات التهجير واستهداف الأراضي المصرية والعربية.

اقرأ أيضا 

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : ملك الأردن نجى من فخ ترامب .. والقاهرة لن تقايض عروبتها بمساعدات لا تكفي سجائر المصريين

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : حمدي بسيط .. سفير الإنسانية بـ مملكة الفن المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى