صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : الرجل الذي أبكى أوروبا!

لم يتوقع أحد قبل شهر تقريبًا أن يحدث هذا التغيير داخل أوروبا فكريًا وسيكلوجيًا واقتصاديًا والخوف من المجهول بعد عودة ترامب للبيت الأبيض.
بكاء رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، كريستوف هيوسجن، خلال كلمته المتزامنة مع نهاية ولايته، ليست مجرد دموع آثارتها ودفعتها للتساقط من محاجرها توديعه لموقعه أو حزن فقط لانتقاد نائب الرئيس الأمريكي «جى دى فانس» للدول الأوروبية واصفًا إياها بالدول المعادية لحرية التعبير.
صحيح، ترامب أبكى العالم وليس الأوروبيين فقط، وكلمات دى فانس كانت قوية وبدا أنه جهّز لهذه المحاضرة ببراعة فى اختيار الكلمات وتدفقها وفُجائيتها التى أربكت الحضور وأبكت أصحاب القلوب الرحيمة!!، واصفًا قادة أوروبا بالمستبدين بإلغاء انتخابات والتلويح بالمحاكم والحملات القمعية بما يشبه الأنظمة الاستبدادية فى القرن العشرين.
دموع هيوسجن نتاج ضغوط وفك الشراكة «الأوروبية – الأمريكية»، ووجد فانس الفرصة مناسبة لتبريرانسحاب بلاده من الرباط المقدس مع الأوروبيين.
دموع هيوسجن كانت جرس إنذار بأن «القارة العجوز» على المحك، بعد أن ضربت الشيخوخة أركانها، ومحاصرة ترامب وإمبراطوريته الكبرى لها، ليس فقط برسوم جمركية زرعت بين أركانها انقسامًا وضعفًا وجعلت الشموخ الأوروبى يتوارى تحقيرًا وتصغيرًا وتمزيقًا أمام العالم.
الخطرالداهم ارتسم بين عيني« هيوسجن« مع إعادة رسم الحدود بالقوة فى صفقة «ترامبية روسية» جديدة مثلما يستهدف الترامبى غزو غزة واستعمارها ونهب خيراتها بمشاريع اقتصادية تصب فى جيوبه وحساباته البنكية.
هيوسجن جاءت قطرات دموعه أكثر من تمتمة كلماته المتقطعة الباكية التى لاتقف عند النقد اللاذع لفانس لضياع المبادئ المشتركة التى تُبعد أوروبا عن قيمها وسبب نهضتها.
هيوسجن مثله كبقية القادة الأوربيين الذين يداعبهم القلق من أن واشنطن تسعى لتقسيم أوروبا فى ظل جهود ترامب لإنهاء النزاع فى أوكرانيا دون مشورة الأوربيين استخفافًا بها وغياب التقدير لشريك محورى ومصير مشترك طوال عقود طويلة ناعتًا الأوروبيين بالضعفاء وزادها بكلمات مذلة ولولا أمريكا بقوتها العسكرية والاقتصادية لضاعت أوروبا والتهمتها روسيا منذ سنوات، وساوم قادتها إمّا الدفع أو جعل دولها مستعمرات تابعة لروسيا.!
وزاد من مخاوف هيوسجن أن العديد من حلفاء الناتو غادروا اجتماعًا لوزراء الدفاع قبل أيام مقتنعين بأن وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث يخطط لسحب عشرات الآلاف من القوات الأمريكية من أوروبا فى السنوات القليلة المقبلة ما يضعف من قوة الناتو والأوربيين أمام الدب الروسى الذى يننتظر تفكيك أوروبا والسيطرة عليها.
الأوربيون يعلمون أن مطامع بوتين لا تتوقف عند جزيرة القرم أو الشرق الأوكرانى، فمع التراجع الأمريكى عن حماية الأوربيين ستزداد شهيته، فـ الأسد الروسى طوال 3 سنوات واجه 42 دولة أوروبية وأعضاء بحلف الناتو ولم يستطيعوا إيقافه عند حدود الدولة الروسية قبل الحرب الروسية الأوكرانية.
الغريب أن ترامب انقلب على زيلينسكى لرغبة الأخير فى وجود أوروبى مع بلاده فى المفاوضات مع الروس فوصفه بالضعيف وغير الكفء وبلا شعبية!
والأغرب أنّ نائب ترامب يصف الأوروبيين بهذا الوصف لمجرد قمع الحريات وخلافه، فبماذا يصف إصرار رئيسه ترامب على افتراس غزة واغتنامها وضمها تحت لوائه دون حياء أو وخز ضمير!
اقرأ أيضا
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : عندما نظر الزعيم الكوري لترامب باحتقار
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : ترامب المظلوم .. وكلوديا الثائرة!