توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : حمدي بسيط .. سفير الإنسانية بـ مملكة الفن المصري

كان صديقي.. ولكني أحببته كأبي، كنت أراه كشيخ طيب يعيش في فيلم قديم، أو حكيم وقور بثوبٍ أبيض في عصور أخرى، والآن أفتقده لخمسة عشرا عاما، ملهماً ودافعاً ومعلماً وصديقا، إنه حمدي بسيط الأستاذ الطيب، رجل الظل الذي منح العالم المحبة وغادره مبكرا.

هو أحد أبرز قامات الصحافة الفنية في مصر، وطالما كان مرجعاً لكثير من نجوم وصناع السينما والدراما التلفزيونية قبل وبعد الألفية الثانية، رجل تقدم صفوف الصحفيين شاباً، ووازن بين علاقته بنجومٍ كبار، وانحيازه الشديد لشباب السينمائيين والمسرحيين، الذين شكلوا فيما بعد موجة سينما الشباب في نهاية التسعينيات، والممتدة إلى أن أصبح بعضم أجداداً الآن، ليمثل حمدي بسيط أحد عناصر المنظومة الفنية، مؤكداً على دور الصحافة في دعم الإبداع، وإثارة قضاياه والدفاع عنه، ليكتسب محبة واحترام الجميع، ما دفعهم للتقرب منه.

وكثيراً ما لجأ إليه العديد من النجوم لإنهاء نزاع فني، أو الوساطة في مفاوضات لجمع أطراف عمل فني، مستفيداً من محبة الجميع وثقتهم في شخصه النبيل، ليكون رقماً مهماً في المعادلة الإبداعية والإعلامية، بصياغة مقالات “كلام بسيط”، التي وهبها الله وإياه نصيباً من اسمها، وتعرضت بالنقد والتحليل لكثير من الظواهر والأعمال الفنية المعاصرة، إلى جانب إدارته لقسم فنون كان الأقوى على الإطلاق في الصحافة المصرية والعربية.

ورغم ذلك لم يتخل يوماً عن الحوار الصحفي، كما لم تفارقه بساطته حتى وداعه البهيج في يومه الأخير بالوفد عشيه رحيله القاسي، هو يوم من الأيام الثقال في الذاكرة، ولكني بمرور السنوات لم أعد أجد سوى البسمة تتملكني كلما ألحت ذكرياتنا معاً على ذهني، فلا تبعث ذكراه سوى البهجة في نفسي، باستحضار نكاته ونوادره وحكاياه الشيقة، فأدعو له بالرحمة وطيب المقام.

تقول زوجتي انني كلما جمعتنا شاشة، وأبصرت مصطفى بسيط يطل عبرها، تنطق عيني بالمحبة، ربما لم أدرك ذلك للوهلة الأولى، خلال مشاهدتي لعروض “مسرح مصر”، ولكني أدرك أني غدوت أبصر فيه حمدي بسيط، بعد أن نحت الزمن ملامحه بسمرة والده الطيبة، وابتسامته المشعة بالبهجة والمرح.

وإذا كان مصطفى بسيط نجم وكوميديان صاعد، فقد سبقه والده إلى كتابة قصص لأعمال درامية، وقيادة برامج تلفزيونية نوعية، إضافة إلى إطلاله وحيدة بصورة فوتوغرافية في دور والد النجم أشرف عبد الباقي خلال أحداث فيلم “على جنب يا أسطى”، وهو الدور الذي طالما تندر به خلال جلساتنا، بعد أن طلب منه صديقه أشرف عبد الباقي أن يستخدم صورته في أحد مشاهد الفيلم، باعتباره والده الراحل، هي قصة حكيتها كثيراً وابتسمت في كل مرة.

ربما تدرك زوجتي محبتي لمصطفى بسيط وشقيقه أحمد الأكثر شبهاً بوالده، لأني طالما أشعت البهجة بنوادر حمدي بسيط، وخفة ظله ونعومته، والتي كان مصطفى جزءً منها، بظهوره الأول في مشهد وحيد بأحد أجزاء “راجل وست ستات”، ليسأله أشرف عبد الباقي في المشهد “أنت ابن حمدي”، وهو المشهد الذي تحدث عنه حمدي بسيط كثيراً، ومازح به أشرف عبد الباقي حمدي بسيط كما مازح ابنه.

وأذكر أيضاً أنه تعرض لمزاحٍ أكثر قوة من الفنان طارق لطفي الذي كان قريباً منه كأشرف عبد الباقي، وتصادقا منذ أن كان طارق لطفي يقدم عروضه على قصر ثقافة الريحاني بحدائق القبة، ليسبب طارق أزمة لحمدي بسيط الذي كان يمتلك رقماً مميزاً يتكون من ثلاثة أزواج متشابهة من الأرقام، وبالتالي كان سهل الحفظ، ليفاجئ حمدي بطارق يذكر رقمه في أحد أدواره الدرامية باعتباره رقم الشخصية، لتتابع اتصالات المعجبين والمعجبات على حمدي بسيط، آملين في الحديث إلى طارق لطفي، وعلى مدار سنوات تكررت اتصالات المعجبين مع تكرار إعادة حلقات المسلسل.

هو حمدي بسيط ابن شبرا الأصيل، أحد أبطال روض الفرج الأسطوريين، أو فتوة عادل في زمن غير الزمن، تجده حاضر الذهن ومتقداً طوال الوقت، وكفارسٍ شريف، تعلمت منه احترام خصوصية الآخرين والتركيز على ما يقدمونه من إبداع، دون انتهاك لحرياتهم أو انجرار لمستنقعات النميمة والتعدي على الحياة الشخصية للفنانين، بل والدفاع عنهم ضد أي محاولات ابتزاز تفرضها أمراض الشهرة وعقدة الأول، وتعلمت منه قدسية دوري في مواجهة المنغلقين والمقللين من دور الفن في دفع المجتمعات والارتقاء بوعي الشعوب.

لهذا أدين لحمدي بسيط بفضلٍ جم، هو إنسان تعلمنا منه الكثير عن الرجولة والثبات في المواقف والدفاع عن الزملاء، لا دفنهم بمجرد تعارض المصالح، مع دور تنويري وداعم للعملية الإبداعية، يستحق عنها تكريماً نقابياً يليق باسمه ومساهماته على الساحتين الفنية والإعلامية، ورصيده لدى الكثير من الأصدقاء من مختلف الأجيال، كأيقونة ثقة شهدت بعض فصولها بحكم قربي من شخصه الكريم.

وأمتلك حكايات عدة تبرهن ذلك، ولكني لست في حل للبوح بها، لأن من إئتمنني عليها بين يدي الله ذو اللطف والرحمة، طاب وطابت ذكراه الطيبة زاداً نتقوت به في صحراءٍ لا إنسانية.

رحم الله عم حمدي بسيط….

اقرأ أيضا:

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : ملك الأردن نجى من فخ ترامب .. والقاهرة لن تقايض عروبتها بمساعدات لا تكفي سجائر المصريين

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : إسرائيل تتعلق بكامب ديفيد والسيسي قد يمنح ترامب جائزة نوبل ليلقي بنتنياهو إلى سلة مهملات التاريخ

الراحل، حمدي بسيط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى