محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : إسرائيل تتعلق بكامب ديفيد والسيسي قد يمنح ترامب جائزة نوبل ليلقي بنتنياهو إلى سلة مهملات التاريخ

تعقدت خيوط مخطط تهجير الفلسطينيين، فتمزقت أطرافه بمخالب الدبلوماسية المصرية، ليحلق بعيداً كطائرة ورقية تحمل وجه ترامب المتجهم، هي مصر دائماً، الصخرة التي تتحطم تحت أقدامها مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وبصمودها أمام الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، أحبطت مخطط صقور واشنطن، لترفع لواء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، كحل وحيد لتصفية الصراع الذي تأهبت مصر لخوض غماره في أي وقت.
هي معركة عض أصابع بين القاهرة وتل أبيب، ونتنياهو الذي يصول ويجول في أراضي دول الجوار، يدرك خشونة الاحتكاك بالقوة العسكرية الضاربة في الشرق الأوسط، ولن يرتكب خطيئة التعامل مع الجيش المصري، بالاستراتيجية نفسها التي اعتمدها في قتال الميليشيات لخمسة عشر شهرا، وهو ما دفع تل أبيب للاستقواء بقواعدها الأمريكية، لتتزامن ضغوط اليمين المتطرف نحو دعم مخطط ترامب للتهجير والسطو على ثروات غزة، مع تحرك الأيباك لتجييش الكونجرس ضد تسليح الجيش المصري، والترويج لانتهاكه معاهدة السلام، بسبب دفعه بمعدات ثقيلة وأعداد كبيرة من خيرة جنوده إلى سيناء، في رسالة ردع مباشرة لإحباط مخطط تهجير سكان غزة.
ولأن جماعات الضغط اليهودية تعمل على توجيه الإدارة الأمريكية لدعم المصالح الإسرائيلية، فلم تعد ورقة الأيباك ورقة رابحة على مائدة اللعب، لأن مواجهة مصر لترامب كانت مباشرة، ورفض الإغراءات، ثم الضغوط، ثم محاولات الالتفاف لتنفيذ مخطط التهجير، حرقت ورقة سيناتورات الأيباك في الكونجرس، مع استمرار مصر في التصعيد بوضع العلاقات المصرية الأمريكية ومعاهدة كامب ديفيد في كفة، وتهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن في الكفة الأخرى، وهو التصعيد الذي يتناسب مع سياسة ترامب للضغوط القصوى، والذي سمح لمصر برسم خطوطها الحمراء قبل مواجهة 18 فبراير المقبل، فلا تفاوض في تصفية القضية، ولن يعبر فلسطيني إلى سيناء إلا زائرا كريماً، وهي محددات انصاع ترامب لها بطلب بدائل قالت مصر أنها تملكها لإعادة الإعمار دون إخراج الفلسطينيين من غزة.
ولأن ترامب رجل صفقات انتهازي تعامل مع مخطط التهجير باعتباره صفقة غير مكتملة، وفي عالم الأعمال الذي ينتمي إليه ترامب، يمكن إرجاء الصفقة إلى حين، للاستقادة من تغيرات السوق قبل إعادة طرحها للتفاوض من جديد، وهو ما فعله ترامب أمام صلابة مصر، برفضها المشاركة في الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، أو أن تكون طرفاً في أي مخطط لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، وتجيشها للمنطقة خلال أيام قليلة من القتال الدبلوماسي، وهي الأيام التي كانت كفيلة بتغيير القرار الأمريكي تحت الضغط المصري المتواصل على مختلف الجبهات، في معركة أحبطت نكبةً جديدة استندت حجتها إلى جشع ترامب، لا إلى وعد بولفور، لتضاف المواقف المصرية الأخيرة، إلى تاريخ نضال مصر لصالح القضية الفلسطينية.
ولا شك أن تصريحات نتنياهو المبكرة حول إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، مجرد بالونة اختبار جديدة لمدى تمسك المملكة بحل الدولتين في مفاوضات التطبيع، لأن المخطط محكوم بالفشل طالما تمسكت دول الجوار برفض التهجير، لتشهد الأربعة وعشرين ساعة الماضية، صمتاً سعودياً، قطعه بيان رفض للخارجية السعودية لما يحاك للمملكة، وخلال اليوم السابق عليه، أشعلت مصر الأوساط السياسية وهددت بالانخراط في الدفاع عن المملكة، باعتبار أمنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، بعد أن رسم البيان المصري خطاً أحمرا جديدا، تتابعت بعده البيانات العربية الرافضة لتلويح نتنياهو بنقل الفلسطينيين إلى الأراضي السعودية الشاسعة، وهي التصريحات التي تدمر صفقة التطبيع مع الرياض، مع الاعتراف بأطماع نتنياهو المؤجلة في الأراضي السعودية، ليتسبب في حرمان ترامب من استكمال اتفاقيات إبراهام، التي يلاحقها كما يلاحق وهم جائزة نوبل، لتسهم رعونة نتنياهو في إرجاء مفاوضات التطبيع، وإرجاء حلم ترامب بنوبل، بعد أن تعثرت واشنطن في صخرة القاهرة، وإعلان الرئيس الأمريكي تأجيل تنفيذ خطة تهجير سكان غزة.
ومع المكاسب التي اقتنصتها مصر في حربها الدبلوماسية، لم تعد القمة العربية ملحة، ولكن تنظيمها يجب أن يتم عقب لقاء الملك عبد الله القريب بترامب، ولقاء السيسي به في الأسبوع التالي، فالحديث في الغرف المغلقة طالما كان أكثر صراحة من الحديث عبر ميكروفونات المؤتمرات الصحفية، ليمثل لقاء 18 فبراير يوم الحسم لقضية التهجير، فترامب يريد ربح أي شيء من هذه المعركة، ومهمة السيسي قد تتمثل في منحه ما يصبو إليه، بتحويل أنظاره عن اتفاقيات إبراهام، إلى المقترح العربي لحل الدولتين، والتأكيد أن حل الصراع العربي الإسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، سيمنحه جائزة نوبل بلا منافس، مع إنهائه لصراع امتد لثماني عقود، فجائزة نوبل لن تمنح إليه لتطبيع العلاقات العربية مع كيان محتل، ولن ينالها بإرغام أوكرانيا على التنازل عن أراضيها الشرقية لروسيا، وهي الرؤية التي قد تجد مقاومة من صهره جاريد كوشنر، والعديد من صهيوني إدارته الجديدة، ولكن رسالة مصر أمس للولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية الكبرى، والتي مثلت علامة استفهام حول تمسك تل أبيب باتفاقية كامب ديفيد، مع استمرار تصريحات اليمين المتطرف التي تشير لاستهداف سيناء كوطن بديل للفلسطينيين، وإمعان تل أبيب في إشعال أراضي الجوار المصري بما يهدد الأمن القومي، وهي الرسالة التي قرأها البنتاجون قبل أن تقرأها إدارة ترامب، وقد تدفع ترامب لإلقاء نتنياهو في سلة مهملات التاريخ، مع الصخب الذي تسببه حكومته اليمينية، خاصة أن جيش الاحتلال لن يقوى على مواجهة الجيش المصري على الأقل في الوقت الحالي، لهذا تراجع ترامب وأتى الرد سريعاً من تل أبيب، بأن إسرائيل حريصة على استمرار اتفاقية السلام مع مصر، ورغم ما حدث في التبادل الأخير للأسرى والمحتجزين، وتوعد نتنياهو بالرد عليه بإفساد اتفاق وقف إطلاق النار، بعد أن أمعنت حماس في إذلال الأسرى، وتوجيه رسالة لإسرائيل والولايات المتحدة تقول بأن حماس هي اليوم التالي، في تأكيد على الاستمرار في المشهد السياسي الفلسطيني رغم أنف الجميع، إلا أن حكومة الاحتلال سارعت بالإعلان عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم إثباتا لحسن النوايا تجاه مصر لا تجاه حماس، في رسالة تهدف إلى تحييد الجيش المصري والتعلق بكامب ديفيد.
ومما سبق يمكن التأكد أن لقاء السيسي ترامب المرتقب، لن يمثل إلا تأكيداً على المكاسب التي حققتها مصر خلال معركة الأيام السبعة، وقد تتطرق القمة إلى توضيح إدراك مصر لمحاولات الإضرار باقتصادها، من خلال اقتطاع الاراضي الفلسطينية لتنفيذ ممر تجاري بري يقتطع شريحة من عائدات قناة السويس، باستبدال مصر بإسرائيل كمعبر للبضائع الآسيوية إلى أوروبا، ليدرك انتباه مصر للمخططات بعيدة المدى، واستعدادها للقتال لحماية مصالحها وحفظ الأمن القومي المصري والعربي.
اقرأ أيضا :
محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : مصر تمزق خرائط الشرق الأوسط الجديد .. والتطبيع السعودي هدف ترامب البديل