توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : مصر تمزق خرائط الشرق الأوسط الجديد .. والتطبيع السعودي هدف ترامب البديل

تقف مصر بصمود يحمل ثقل أهراماتها، وتتأهب بقوة شبابها وإدراكه لمخططات إعادة تشكيل المنطقة، بداية من تصفية القضية الفلسطينية، لا بقوة السلاح فقط، ولكن بعقد صفقات لا تتضمن الحديث عن الأرض، ولا تمنح فيها دولة الاحتلال أياً من دول المنطقة مكاسباً، سوى صك أمان ممهور بخاتم البيت الأبيض، أو التلويح بعقوبات تنال من اقتصادات منهكة بالفعل حتى ولو كانت نفطية، لتتصدر مصر المشهد الدولي والإقليمي، في مواجهة محاولات اغتيال القضية الفلسطينية، وتمضي مكبلة بمعاهدة سلام، اخترقتها قبل سنوات لرد موجات الإرهاب عن أراضيها، ثم لصد الطلقات الطائشة العابرة للحدود، وانتهت مصر الآن إلى ضرورة انتشار عسكري، وتخطيط لانتشار أكبر في الضفة الغربية لقناة السويس، برسائل ردع مباشرة للجانب الآخر من المنطقة الحدودية العازلة بين رفح المصرية وشقيقتها الفلسطينية، ضمن إشارات دفعت بجماعات ضغط الأيباك الإسرائيلية الأمريكية، لتحريك الكونجرس نحو اتخاذ إجراءات عقابية ترتبط باختراق الجيش المصري بنود معاهدة كامب ديفيد، متجاهلة خرق جيش الاحتلال للاتفاقية نفسها بالسيطرة على محور فيلادلفيا، لنسف سيادة الفلسطينيين على معبر رفح، شريان القطاع الوحيد الذي ينقل ما تضخه قلوب المصريين من دماء في عروق غزة، ليتخذ الصراع منحى جديداً يهدف إلى وقف مساعدات عسكرية لم تعد تؤثر في توازن القوى، أو لضغوط اقتصادية استعدت لها مصر بالانحياز إلى طريق الحرير الصيني، مقابل ممر التنمية الإسرائيلي الخليجي، الذي تلعب غزة دوراً جغرافياً كبيراً فيه، لتتابع دعوات التهجير الفلسطيني الأمريكية، وفتح المجال أمام طموحات نتنياهو التوسعية، وفق اتفاق يمنح ترامب المزيد من المال، والمزيد من التحكم في مفاتيح الشرق الأوسط الكبير، لتتحول المواجهة في الأيام الأخيرة إلى مواجهة مباشرة بين مصر والولايات المتحدة، مع تراجع إسرائيل خطوات إلى الوراء.

فالاقتصاد هو أحد أكثر دوافع إسرائيل، لتصعيد حضورها العسكري في محيطها الإقليمي، فالكل أو لا شيء، هو شعار جزار تل أبيب بنيامين نتنياهو، ذلك الانتهازي الجشع، الذي استغل هجمات 7 أكتوبر لنشر الفوضى في الشرق الأوسط، كساعي بريد مجتهد، يحصد الأرواح والأراضي العربية، بما يصب في مصلحة المشروع الصهيوأمريكي، الهادف للتحكم في مفاصل المنطقة، باعتبارها ساحة استراتيجية للتجارة العالمية، ومفترق طرق الأساطيل التجارية ووقود الصناعة الأمريكية والصينية على حد سواء، وخلال مؤتمر ترامب/ نتنياهو في البيت الأبيض، يمكن أن نرى الصورة كاملة، ونكتشف أن إسرائيل تقاتل لصالح الولايات المتحدة في حربها ضد الصين، بإخضاع الأنظمة الإقليمية وإرهاب المنضمين من بينهم إلى “بريكس”، لتحويلهم إلى وكلاء يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمهم في إحباط طموحات بكين لقيادة نظام عالمي جديد، يمنح دول جنوب الكرة الأرضية قطعة أكبر من كعكة الاقتصاد، دون شروط سياسية مسبقة تفرضها واشنطن طوال الوقت، ليتنامى نفوذ الصين ويصبح مخطط إشعال الشرق الأوسط، هو الخيار الأهم لتأكيد النفوذ الأمريكي، ومد ممر تجاري بري بديل لقناة السويس، يقطع امتداد طريق الحرير الصيني، وينسف مشروع الحزام والطريق، تجنباً لفشل جديد في التعامل مع جماعة الحوثي اليمنية، بمرور اعتبر استثنائياً خلال إدارة بايدن، ليتحول إلى أمر واقع في الأسابيع الأولى من إدارة ترامب، بشرط دفع الرياض دفعاً نحو حظيرة التطبيع، ليكتمل ممر التنمية الذي لوح نتنياهو بخرائطه عبر منصة الأمم المتحدة قبل أشهر، كإشارة لطياري f35 لدفن الأمين العام السابق لحزب الله حياً، وإعلان الحدود الجديدة لإسرائيل الكبرى، لنتأكد أن استمرار الإبادة في حرب غزة واستهداف شمال القطاع لجعله منطقة غير صالحة للحياة، ليس أكثر من محاولة لتأمين لهذا الممر الممتد إلى ميناء حيفا، وهو ما لن يتحقق إلا بقضم مدينة غزة وعدد من المدن الشمالية للقطاع.

وقد يلعب نتنياهو في هذا المخطط دور جلاد واشنطن، لكل من تسول له نفسه من دول المنطقة الوقوف أمام تدفق مئات مليارات الدولارات إلى واشنطن وتل أبيب، مع تحكمها في أحد طرفي الممر الاقتصادي منفردة، فالإدارة الامريكية ترى أن الغزيون سيجنون المكاسب من تهجيرهم بعيداً عن ملعب ترامب الجديد في الشرق الأوسط، ومصر ترى خطراً عسكرياً يتمثل في تمدد عدوها التاريخي في المنطقة، وخطراً اقتصادياً يلتهم شريحة كبيرة من إيرادات قناة السويس، لهذا تراهن القاهرة على الجبهة العربية في حربها لمواجهة تصفية القضية الفلسطينية، ليمثل البيان الخماسي لوزراء الخارجية العرب، رسالة كان يجب أن تستبق لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، لإدراك الموقف العربي الرافض لتهجير سيدفع ثمنه الجميع، باستثناء إسرائيل، وهي الجبهة التي يسهم صمودها في حماية الأراضي الفلسطينية، بعد تصريحات ترامب الطموحة في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو، وهو طموح حطمته الرياض صباح اليوم التالي، بإعلان رفض أي اتفاق تطبيع لا يتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لتنتصر مصر في المواجهة الرابعة مع واشنطن برفض صفقة القرن مجدداً، فصمود الفلسطينيين هو الضمانة الوحيدة لتمسك مصر بمواقفها التاريخية الراسخة، والمساندة العربية تحمي القاهرة من بطش اقتصادي لإدارة واشنطن، رغم التصعيد التفاوضي وتهديدات الاغتيال الصبيانية التي استهدفت الرئيس المصري، عقب رفضه المشاركة في الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني بتهجيره خارج أراضيه.

ورغم كل ما سبق فإن رهاني على ترامب لم يتغير، وما زالت خطواته بمثابة معاول تهدم أسس الإمبراطورية الأمريكية، وتفقده نفوذاً لم تحققه دولة في القرنين الماضيين، سواء بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، أو بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لتعرقل واشنطن مسارات طاقة المستقبل، وتتخلى عن عصا حقوق الإنسان التي طالما عاقبت الدول المعارضة بضرباتها، فترامب يقاتل العالم لنهب ثرواته بلا أقنعة زائفة، وبتبجح يرتكن إلى قوة عسكرية كاسحة، قد يفقد تمركزاتها حول العالم إذا استمر في السطو على الجميع، وإن حدث هذا فلن تبقى لواشنطن هيمنة، فقوة ترامب وهيمنته تتلاشى إذا أُخرجت قواته من قواعدها العسكرية في المنطقة، وبالتالي لن تمتد أسلحة واشنطن لتطال الشرق الأوسط إن قررت دوله إبعاد جنود ترامب عن أراضي المنطقة، وبالتالي لن يبقى لمشروع إسرائيل الكبرى وجود، وهي حفرة لن تسمح الدولة العميقة في الولايات المتحدة بالسقوط فيها، لهذا فالتهديدات التي قد يتعرض لها ترامب مستقبلاً، أكثر خطورة وفعالية من تهديد السيسي بالاغتيال عبر نشر صورته مع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، فترامب يتحول رويداً رويداً إلى فريسة لصيادين كُثُر في الداخل والخارج الأمريكي، ونتنياهو اقتصر دوره على هز زيله والنباح لإرضاء سيده الجديد أملاً في الإبقاء على حكومته، بعد إشارات ترامب الإيجابية لوزراء اليمين المتطرف المؤيدين لاقتطاع الضفة الغربية وغيرها من الأراضي العربية، فكل ما حمله المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو من مخططات، يمكن للسعودية إفسادها بمنح ترامب التريليون دولار الذي يريده، أو الـ600 مليار دولار من وجهة نظر الرياض، ولو أراد ولي العهد السعودي وقتها، يمكن لترامب إهداءه كلبه الأليف ليتمسح نتنياهو في أرجل ولي العهد السعودي بأمر من سيده، هي لعبة لا يمكن إنهائها إذاً، لأن مضي ترامب في تصعيده حتى النهاية، تعني نهاية نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لهذا فالرجل البرتقالي سيجالس ملك الأردن والرئيس المصري خلال الأسبوعين المقبلين، ليتراجع عن تصعيده خلف الأبواب المغلقة، طامعاً في الظفر بدعم مصر تحديداً في الوصول إلى تطبيع سعودي إسرائيلي، قد يمنح ترامب جائزة نوبل غير مستحقة، وهو الدعم المشروط باستمرار مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق محددات وثوابت مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.

اقرأ أيضا 

محمد شكر يكتب : رسائل التنصيب .. مسمار ترامب الأول في نعش الولايات المتحدة

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 1 )

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 2 )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى