فن و ثقافةكُتّاب وآراء

رانيا عاطف تكتب : بهاء درويش الفيلسوف الإنسان في ذكرى ميلاده

تحل علينا خلال يومين من الآن ذكرى ميلاد الفيلسوف التنويري الدكتور بهاء درويش، أستاذ الفلسفة المتفرغ بكلية الآداب، جامعة المنيا، ونائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، باريس، الأستاذ المعطاء والمفكر الفريد الذي أثرى الفكر العربي بإسهاماته العميقة في الفلسفة والأخلاق بشكل خاص والفكر الإنساني بشكل عام، لم يكن فيلسوفنا مجرد أستاذ أكاديمي فحسب، بل هو عقل مستنير وقلب نابض بالإنسانية، فهو “أخلاق تسير على الأرض”، ما جعله نموذجًا فريدًا في عالم الفلسفة، حيث جمع بين التحليل الفلسفي الدقيق والالتزام العميق بالقيم الأخلاقية.

مسيرته العلمية وإسهاماته الفلسفية
يُعد فيلسوفنا من أبرز المفكرين المعاصرين في عالمنا العربي الذين اهتموا بالفلسفة اهتمامًا مغايرًا لما سار عليه معظم المفكرين، حيث ساهم في خلق رؤى جديدة في فلسفة الأخلاق من خلال ما تضمنه كتابه (أخلاقيات العلم والتكنولوجيا وتطبيقاتها في الواقع المعاصر) من أبحاث قيمة.

كما قدم فيلسوفنا نظرية في مجال حماية البيئة وأخلاقيات التعامل معها (نحو مبادئ أخلاقية للتعامل مع المرأة والبيئة). بما يحقق النفع للإنسان والمجتمع، كذلك نجد فيلسوفنا دائم البحث عن الأسس الفلسفية التي يمكن أن تبني مجتمعًا أكثر عدالة وإنسانية وقد ظهر ذلك في كتابه:(رؤى فكرية وفلسفية لمسائل معاصرة) وما شمله من أبحاث ودراسات منها: (الهوية أساس الوعي الفكري- التسامح نحو إتجاه لضبط أمور الحياة رؤية فلسفية- في القيم تكمن الحياة- مفهوم المستقبل من أجل فلسفة المستقبل- الحق في العلم هو العلم الحق).

آمن بأن الفلسفة ليست مجرد تنظير، ولا يمكن أن تكون كذلك فحسب، بل هى وسيلة لتحليل المشكلات الاجتماعية والإنسانية وفهمها بعمق ومحاولة إيجاد حلول لها من خلال أبحاثه: (بين علوم اجتماعية غربية قاصرة وعلوم اجتماعية عربية غائبة- نحو إنتاج سوسيولوجيا عربية إسلامية معاصرة- دور الثقافة في التنمية البشرية المستدامة).
من خلال أعماله الفلسفية الموسوعية، استطاع فيلسوفنا أن يلفت الأنظار إلى قضايا تتعلق بالأخلاق التطبيقية وذلك من خلال كتابه (الفلسفة تطبيقية بالضرورة)، والعدالة الاجتماعية: (التقدم العلمي للسيطرة والهيمنة أم لخدمة الإنسان)، وحقوق الإنسان: (حدود الخصوصية في زمن ما بعد الخصوصية- فلسفة الأخلاق في القارة السمراء)، والأخلاقيات الطبية: (أخلاقيات التعامل مع الوباء- أخلاقيات الصحة الرقمية)، وهي موضوعات تحظى بأهمية كبيرة في عالمنا اليوم.

تميز أسلوب فيلسوفنا بالوضوح والعمق في آنٍ واحد، حيث جعل الفلسفة في متناول الجميع دون أن يفقدها دقتها الأكاديمية.

الأستاذ الملهم والمربي الحكيم
لم يكن فيلسوفنا مجرد أستاذ جامعي، بل هو معلم حقيقي يحرص على بناء العقول قبل أن ينقل المعرفة إليها. حيث رأى أن الفلسفة ليست مقررًا دراسيًا فقط، بل أسلوب تفكير يساعد الإنسان على فهم ذاته والعالم من حوله. بأسلوبه العميق والواضح، استطاع أن يجعل الفلسفة محببة لتلاميذه، فهو دائم التحفيز لهم على البحث والتأمل والنقاش الحر. كما يعلمهم قيمة احترام الرأي الآخر المختلف تطبيقيًا لا نظريًا، في الآن نفسه حرص فيلسوفنا كل الحرص على ترسيخ مبدأ التفكير الناقد لدى تلاميذه وذلك لكونه جوهر الفلسفة.

الأب الروحي لتلاميذه
يُعد الدكتور بهاء درويش أبًا روحيًا لتلاميذه، داعمًا وموجهًا وناصحًا لهم، آخذًا بأيديهم نحو التقدم العلمي والرقي الخلقي، مشجعًا لهم على مواجهة كافة الصعوبات العلمية والحياتية بإيمان وثقة بالنفس.
يستمع إليهم بصبر، ويمد لهم يد العون كلما احتاجوا إلى نصحه وإرشاده، أما عن مواقفه الإنسانية مع تلاميذه فلنتحدث كما نشاء ولنأت بمداد البحر كلمات حتى نستطيع أن نوفيه حقه، ولن نستطيع ذلك أبدًا ولو أوتينا كل بلاغة وأفنينا بحر العلم في النظم والنثر.

الفيلسوف الإنسان الذي حمل هموم الآخرين
إنسانية فيلسوفنا امتدت إلى كل من حوله، حيث عُرف بتواضعه –رغم سمو مكانته وعلو قدره- يحترم الجميع بغض النظر عن مكانتهم. رأى أن الفلسفة يجب أن تتجسد في سلوك الإنسان وأخلاقه قبل أن تكون نظريات تُناقش في قاعات الدرس. وقد فعل ذلك تطبيقيًا، إذ حمل هموم مجتمعه وأخذ ينادي بتطبيق العدالة القيم الإنسانية في كل موقف، حيث جسّد هذه العبارة (الفيلسوف الإنسان) بكل معاني الكلمة من معنى.

نتاجه الفكري وأثره المستمر
سيظل فيلسوفنا مصدر الحكمة والإلهام لتلاميذه، وسيظل حاضرًا في الفكر العربي ما بقي الزمان، إذ تُعد أفكاره منارة تهتدي بها الأجيال الجديدة من الباحثين والمفكرين، كما سيظل نتاج فيلسوفنا ثروة فكرية غنية تتمثل في مؤلفاته القيمة وأبحاثه المتميزة ومحاضراته الفريدة. التي تسهم في تشكيل وعي فلسفي جديد لدى تلاميذه وقراءه.
أخيرًا… في هذه الذكرى العطرة، لا يسعني إلا أن أعبّر عن خالص تقديري واحترامي ووافر امتناني لأستاذي وأبي الروحي المفكر العظيم، والفيلسوف الفريد الذي أعطى الفلسفة العربية بُعدًا جديدًا فأصبح مثالًا يُحتذى به في الفكر والإنسانية.

إن الاحتفاء بذكرى ميلاده ليس مجرد تكريم لشخصه الكريم المعطاء فحسب، بل هو احتفاء بالقيم التي نشرها ودافع عنها، واحتفاء بالفلسفة كوسيلة للنهضة والتغيير وتحقيق التقدم.
حفظ الله أستاذي الدكتور بهاء درويش وأدام نتاجه الفكري منارة للباحثين عن الحكمة والعدالة والقيم الإنسانية، وكل عام وسيادته بكل الخير وبأتم الصحة والعافية والعطاء هو الخير لمصرنا ولأمتنا العربية جمعاء، كل عام وسيادته لنا وللأجيال القادمة خير قدوة.

الباحثة ،رانيا عاطف

 اقرأ أيضا:

رانيا عاطف تكتب : نصر أكتوبر كنقطة تحول في تاريخ مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى