توبكُتّاب وآراء

صبري حافظ يكتب : هزم ترامب سياسيًا وإنسانيًا

في المعركة المحتدمة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، و الكولومبي جوستافو بيترو على خلفية ترحيل المهاجرين الكولومبيين لبلادهم سجل الرئيس بيترو مواقف وطنية وإنسانية ودروسًا للآخرين، احترم مواطنيه وعراقة بلده وحضارتها ” كيمبايا، ومشيخات تيرونا “التي تعود تاريخها  إلى 500 قبل الميلاد حتى 600 بعد الميلاد، قبل رحلة المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس لـ الأمريكتين، والغزو الإسباني لكولومبيا.

لم ينحنِ بيترو للعاصفة الترامبية كما تُسوق بعض الأبواق الإعلامية المنتمية للإدارة الأمريكية إيدلوجيا وسياسيا ، بل على العكس كان ندًّا أمام شطط وغرور ترامب، موقف بيترو كان واضحا منذ البداية فهو ليس ضد عودة المهاجرين لوطنهم بقرار من ترامب، فلا يمكن إجبار أشخاص على البقاء في دولة لا ترغب في وجودهم، واعتراضه على التعامل غير الأدمي مع المهاجرين وذهابهم للمطار مقيدي الأيدي كأنهم مجرمون، وهو ماجعله يرفض استقبالهم وعودتهم لكولومبيا، وجاء رد فعل ترامب صدامي وتصعيدي ورفع الرسوم الجمركية بين البلدين إلى 25 %.

في وقت تعتمد كولومبيا على السوق الأمريكية لصادراتها من القهوة والزهور، ويعمل مايزيد عن نصف مليون مزارع في صناعة القهوة، وآلاف العمال خاصة النساء بقطاع الزهور، و تراجع الطلب الأمريكي، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض البيزو الكولومبي بنسبة 3% بعد تصاعد الأزمة، وإعادة تقييم المستثمرين الأمريكيين لاستثماراتهم في كولومبيا، المقدرة بـ  7.2 مليارات دولار سنويا.

رغم كل ذلك وقف بيترو صلبا وحارب غريمه بنفس السلاح- رغم الفارق في القوة والفاعلية – إذ فرض رسومًا جمركية على الواردات الأمريكية بنفس النسبة، و احتراما  لحرية الإنسان وأدميته طالب من آلاف الأمريكيين بالأراضي الكولومبية توفيق أوضاعهم وخاطبهم بود: لن أحرق أبدًا علم الولايات المتحدة أو أطلق حملة لإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة مقيدي الأيدي.

وخصص الرئيس الكولومبي طائرات تابعة لخطوط بلاده “الوطنية” لإعادة المُرحلين من الولايات المتحدة من دون أصفاد.!

فكسب تعاطف واحترام شعبه والأمريكيين أنفسهم، وظني أن ترامب نفسه يحسد بيترو على موقفه الذي لم يتوقعه وهو مادفعه إلى التراجع عن فرض عقوبات على كولومبيا وإلّا لاستمر في عناده حتى مع عودة المهاجرين لبلادهم عقابا لموقف بيترو العنيد.

بيترو يخطط حاليا لتنويع الشركاء التجاريين وتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لتقليل الاعتماد على أمريكا بفعل تهور واندفاع الرئيس الأمريكي.

بيترو كان له مواقف إنسانية نبيلة مع بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة فقطع العلاقات معها ومنع شراء أسلحة إسرائيلية لما وصفه بمذابح و إبادة جماعية تشبه “الهولوكوست”، ومنع تصدير الفحم إلى تل أبيب، وقال كلمته المشهورة، إنّ إسرائيل تستخدم الفحم لصنع قنابل تقتل بها أطفال غزة.

بيترو كتب رسالة مطولة نارية ومؤثرة لترامب وسط لهيب الأزمة أشبه بطلقات رصاص اختتمها بقوله :إذا كنت تعرف شخصا عنيدا على وجه الأرض فأنا هو، يمكنكم عبر قوتكم الاقتصادية وغطرستكم أن تحاولوا تنفيذ انقلاب ضدي كما فعلتم مع الرئيس التشيلي السابق سلفادور أليندي ، لكنني سأموت على مبدئي، قاومت التعذيب وسأقاومك أيضا.. أسقطني أيها الرئيس، وسترد عليك الأمريكتان والإنسانية..!

 اقرأ أيضا

صبري حافظ يكتب : قد نترحم على أيام  بايدن!

صبري حافظ يكتب : حتى ينهض من تحت الرماد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى