توبكُتّاب وآراء

محمد شـكر يكتب : نتنياهو يفضح انتصار بايدن الزائف .. ويقايض وقف الحرب بانتقام ترامب ورأس المرشد الإيراني

يقف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، منتشياً بنصر زائف لإدارته الخاسرة، ومتحدثاً عن معاناة الإسرائيليين وأسر المحتجزين منذ السابع من أكتوبر، مع مرور خاطف على الأبرياء في غزة، ليحتفي الرئيس الديمقراطي باتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً على أن ما تم التوصل إليه، نتج عن المسودة التي طرحها خلال شهر مايو الماضي، والتي واجهت صعوبات ذللها الوسطاء المصريين والقطريين، ليعلن انتصار السلام على طبول الحرب.

مباهاة بايدن بالدور الأمريكي في مفاوضات وقف إطلاق النار، لا تمنح واشنطن سوى هزيمة ثقيلة، كتلك التي ألحقها الرئيس المنتهية ولايته، بحزبه طوال فترة رئاسته انتهاءً بسحق ترامب له، وللمرشحة الديمقراطية الخاسرة كامالا هاريس من بعده، والتي وقفت على يمينه متراجعة خطوة إلى الوراء بحكم هزيمتها، وعلى يساره وزير خارجيته أنتوني بلينكن، الذي يمثل تراجعه خطوة أخرى، الضعف الذي تملك من الدبلوماسية الأمريكية، كانعكاس لضعف الإدارة الديمقراطية الأسوأ في تاريخ قاطني البيت الأبيض، فنتنياهو أذل بايدن وحكومته، والانتصار الذي يحاول بايدن اقتناصه، يحسب للرئيس المنتخب دونالد ترامب، مع تهديداته الجدية بضرورة إنهاء الحرب قبل جلوسه على مقعد المكتب البيضاوي، ليغلق ترامب صفحة إخفاقات بايدن، ولا يتورط في مشاريعه الخاسرة بالشرق الأوسط، وهو ما لا يعني أن ترامب سينصرف عن الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية، ولكنه غير معني الآن بانتصارات صغيرة كوقف حرب غزة، كما أنه غير جاد في إشعال الشرق الأوسط في حال استمرار القتال، فلدى ترامب خططاً أهم، وإذا ما سمح لبايدن برفع علامة النصر في خطاب أخير سبق خطاب الوداع، فهذا يعني أن لديه انتصاراً أكبر سيستهل به ولايته الثانية في البيت الأبيض، إضافة إلى أن نتنياهو قتل انتصار جو بايدن الزائف في مهده، بتوجيه الشكر لترامب على دعمه الاتفاق، بالتزامن مع إعلان بايدن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.

وما سبق يضيف إلى خطاب بايدن غير المؤثر، قدراً أكبر من استهانة إسرائيل وحكومة نتنياهو بالرئيس الأمريكي، لأن الإشارة إلى مقترح طرحه بايدن في شهر مايو، ولم يتم العمل به إلا بعد أكثر من 7 أشهر، أي بعد مرور نحو نصف مدة الحرب على غزة، يعني أن إدارته بلا أنياب، حتى أن حديثه عن صعوبة التوصل إلى اتفاق، يثير مزيجاً من السخرية والشفقة، خاصة أنه تحدث وكأن صواريخ القسام المعدودة التي أكلتها القبة الحديدية خلال الأشهر الأخيرة، مثلت تصعيداً ساهم في تعقيد مهمة حمامة السلام الأمريكية في التوصل إلى اتفاق، وكأن إعدام شمال غزة ومؤسساتها المدنية وبنيتها التحتية بمدنييها لإقامة منطقة عازلة غير صالحة للحياة، مثلت تصعيداً اكبر عرقل جهود السلام الدموي الأمريكي، فالولايات المتحدة التي تلوح بعلم أبيض عبر وسائل الإعلام، هي ذاتها التي لوثت فيتو مجلس الأمن الدولي بدماء أطفال غزة مراراً، وهي ذاتها التي لم توقف عمل الجسر الجوي العسكري المفتوح، لإمداد جيش الاحتلال بالأسلحة والذخائر ومنصات الدفاع الجوي، إضافة للتقارير الاستخباراتية وصور الأقمار الاصطناعية لمواقع قادة الجبهات المعادية وقواعدهم القتالية، إنها أمريكا يا سادة، التي باتت بفعل الزمن خنزيراً عجوزاً لا يميز ما يأكله، ولا يعنيه إلا أن يملأ أمعائه الغليظة بجيف الشعوب.

ولأن ما يهم في كل هذا العبث هو حقن دماء الشعب الفلسطيني، فعلى حماس ألا تسرف في تلويحها بالعودة للقتال، حتى لا تجد حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً، مبرراً جديداً لسفك المزيد من دماء المدنيين في القطاع المحاصر، وبالتالي تعطيل الإنجاز الترامبي المقبل، الذي سيتشارك فيه ترامب مع نتنياهو، في ثاني تعاون خلال فترتهما الرئاسية الجديدة، بعد الشراكة المثمرة في إسقاط النظام السوري، بدعم تركي، إيراني، روسي، والمؤكد أنه لم يكن على “الحية” أن يتقمص شخصية الرئيس الأمريكي جو بايدن، ويباهي بانتصار اصطبغ بدماء الفلسطينيين، وفي الوقت الذي شكر فيه بايدن مصر وقطر على استماعهما لصرخات المدنيين، ورجاء حكام غزة الفعليين بالاستمرار في الوساطة، كان “الحية” يوجه الشكر لأذرع إيران المبتورة، ولإيران التي لم تمد يد المساعدة حتى لأذرعها، بل سلمت حسن نصر الله، ومعه نائب رئيس الحرس الثوري لقنابل نتنياهو، ودعمت صفقة البيجر المتفجر التي أسقطت عناصر حزب الله مع اختراق تل أبيب لطهران وميليشياتها، وخانت الأسد ثم منحت سوريا لأعدائها عن طيب خاطر، والآن إذا أرادت حماس انتصاراً يخلدها في التاريخ، فعليها أن تنحاز للقضية الفلسطينية، لا إلى إيران التي لن تدعمها عسكرياً بعد سقوط نظام الأسد واستسلام حزب الله في جنوب لبنان، وغلق كل منافذ الإمداد البرية، ولم يعد لديها سوى طريق واحد بالتوجه نحو الداخل، والانخراط في حراك سياسي بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بعيداً عن مغامرات جديدة قد تتسبب في إراقة المزيد من دماء الفلسطينيين، ليكون الهدف الرئيس الذي يستحق القتال لتحقيقه هو حل الدولتين، مع الزخم الذي اكتسبته الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، والدعم الدولي المتنامي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

اقرأ أيضا للكاتب محمد شكر : 

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 1 )

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 2 )

محمد شكر يكتب : ترامب يمزق اتفاقية باريس .. والأرض تشن هجوما مضادا على لوس أنجلوس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى