صبري حافظ يكتب : حتى ينهض من تحت الرماد
لم يتوقع أكثر المتشائمين من أنصار حزب الله قبل شهور أن يتلقى الحزب سلسلة هزائم متتالية ومتنوعة بين عسكرية وسياسية وشعبية، وتدني نفوذه داخليا وخارجيا بشكل غير مسبوق منذ نشأته وتآكل حاضنته التي منحته القوة والصمود طوال عقود.
وبعد سلسلة من الاغتيالات و الضربات الإسرائيلية رضخ الحزب لاتفاق هدنة مُغلف بالهزيمة والتراجع شمال نهرالليطاني بعيدا عن الحدود الإسرائيلية بما يقرب من خمسين كيلو!
وارتبطت خسارة الحزب عسكريا بهزة سياسية قوية واختيار جوزيف عون رئيسا للدولة اللبنانية الذي لايروق للحزب حيث جاء اختياره بشكل توافقي رضوخا لرغبة أغلبية البرلمان اللبناني بعد سيطرة طويلة ومملة حبست أنفاس وطموح اللبنانيين بفرض قوة السلاح على كافة الطوائف والأحزاب والشعب نفسه، وهيمنة على المؤسسات والشارع اللبناني.
وانفرط عقد الحزب وتساقطت باقي حباته سريعا سياسيا بنفس سيناريو تراجعه العسكري السريع خلال المواجهة الإسرائيلية و “المتوأمة” لضعف نفوذ الحليف الإيراني وتقليم أظافره في لبنان وسوريا ،ضربة أخرى لأنصار الحزب ومريديه الذي خرج من الحرب الإسرائيلية مهزوما ومثخنا بالجراح، مضطرا لقبول عون بعد خسارة الأغلبية البرلمانية وصعوبة فرض مرشحه الرئاسي نجيب ميقاتي كما نجح بأريحية من قبل.
دلالات كثيرة لاختيار جوزيف عون رئيسا، فهو ترسيخ لقوة الجيش والمدافع عن الدولة اللبنانية ونزع أي سلاح آخر، في مشهد كان مجرد طرح فكرة اختيار رئيس وليس رئيسا مغايرا لرؤية وفكر الحزب ممنوعا ومن ذكريات الماضي.! لضمان انفراد الحزب بمقدرات الدولة تحت عباءة الدفاع عن البلاد تجاه الأطماع الإسرائيلية،وترسيخ واقع مؤلم في سبيل المصالح الخاصة ،وفي مسار تراجعت فيه لبنان على كافة المحاور، وباتت دولة تندرج في أدبيات السياسة بالدولة الفاشلة ،أي دولة فقدت قدرتها على الوفاء بوظائف الأمن والتنمية، وتفتقر إلى السيطرة الفّعالة على أراضيها وحدودها!
وانطلاقا من الانحدار السياسي السريع للحزب، تم اختيار نواف سلام رئيسا للوزراء فهو القاضي ورئيس محكمة العدل الدولية، خلفا لنجيب ميقاتي الموالي لحزب الله، بسيرة ذاتية مميزة ليس فقط لخلفيته المشرفة وربما نكاية في الحزب!
محاور جديدة في المشهد اعتبرها كثيرون من التيارات والطوائف اللبنانية انتصارًا للدولة اللبنانية ووضعها على الطريق الصحيح في الرؤية والنهج السياسي وتغيير الوجوه والانتماءات مع وعد الرئيسين جوزيف، ونواف بعدم إقصاء أحد، مايعني عدم تصعيد فئة أومنحها نفوذا وحكما أو احتكارها امتيازات على حساب آخرين، مع بسط السيطرة على كامل التراب اللبناني واقتصار حمل السلاح على الجيش.
ورغم كل ذلك ،هناك مخاوف من ارتدادات منتظرة قد تسود المشهد السياسي والأمني اللبناني، بنشر الفوضى والمطالبة بحصة المكون الشيعي في النظام السياسي اللبناني.
تحديات تواجه عون، أمام عدم استسلام حزب الله لخسائره المتتالية ساعيا للمحافظة على قوته ونفوذه داخل المنظومة السياسية بقوة السلاح.
و للنهوض من تحت الرماد لابد من حكومة فاعلة نحو التمنية والإصلاحات، و الحد من نفوذ حزب الله، وتعيين قائد للجيش قادر على تطبيق اتفاق وقف النار مع إسرائيل، ومنع الحزب من ترميم قوته العسكرية في جنوب لبنان، وهي مهام شاقة تمثل صداعا لاينتهي!
اقرأ أيضا:
صبري حافظ يكتب : رواندا واستلهام الأمان الاقتصادي
صبري حافظ يكتب : ليته يتعلم منه!