كُتّاب وآراء

الدكتور جمال عبد العزيز يكتب: ضبط الكلمة اللسان

منذ أن خلق الله الأنسان وتعلم العلم وعرف الكلام والحوار من خلال كافة حواسه من سمع وبصر وعقل وقلب, والذى يقوم بترجمة ونقل المشاعر والأحاسيس والفكر والرؤيا عن هذه الحواس هو اللسان والشفتين, وبدونهما لاتستطيع الكلام, وتقوم الحنجرة أيضاً بالصوت ليسمع الانسان الكلام ويصل لغيره, ثم يترجم هذا الكلام إلى أفعال, إما أن تكون خيراً أو تكون شراً, ولذا قبل أن يتكلم الانسان علمه الله كل شىء بما يخدم حياته كلها سواء كان فى السماء أو فى الأرض, وأقصد هنا سيدنا آدم عندما كان فى الجنة فى السماء,علمه الله كل شىء قال الله تعالى(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) سورة البقرة الآيه (31) .

وهنا يوجد كلام وحوار بين الله وسيدنا آدم, ثم أمره بألا يقترب من شجرة معينة فى الجنة, يعنى كل ما فى الجنة مباح وهذا دليل على أن المباح أكثر من المنع, فالذى حلله الله للإنسان أكثر مما حرمه عليه, قال تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ) البقرة الآيه(35) , وقد حذر الله سيدنا آدم من الحوار والكلام مع أبليس لأنه عدو له وسيستدرجه للخطأ بالأكل من الشجرة التى منعه الله منها, وبعدم طاعة الله فيما أمره.

ومما سبق استطاع إبليس أن يستدرج آدم بكلام منطقى وفلسفى وإقناعه بأن مصلحته فى ذلك, فوقع سيدنا آدم فى الخطأ ومعصية الله, ليس كل الكلام الذى ظاهره خير هو خير, وهذا الكلام فى الغالب وخاصة من الأعداء والمنافقين , ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.

ومن خلال هذه المقدمة نستفيد أن الله علم الانسان كل شىء ليضبط كلامه وفعله, ولاينساق إلى كلام قد يكون معسولاً ولكنه مراً , فالمنافقين والذين يدّعون الإسلام والذين يدّعون أنهم يدفعون عن حقوق الإنسان,  والذين يبثون الشائعات, كلامهم أحلى من العسل فيه المنطق وفيه الحق ولكن باطنه العذاب.

الكلمة :

كل الناس تتكلم العالم والجاهل, ولكن هناك فئات لابد أن تكون كلمتها نور وضياء فكرى لغيرها, فالكلمة الصادقة الطيبة أمانة والكلمة علم يستفيد منها غيرك, فينبغى على, العالم وخطيب المسجد والمدرس والقائد والطبيب والتاجر وصاحب المصنع والبائع والمزراع والمسؤول والقاضى والضابط والصحفى وغير ذلك, الكل مسئول عن كلمته وتوابعها وعن فعله, الكل مسئول فى إطار الصدق والصواب, لأن الله أثبت علينا الحُجّة اى الدليل, قال تعالى:  ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) سورة البلد.

فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، و علينا جميعاً أن يكون كلامنا صدقاً, وألا نضعف ونَقلب الحق باطل ونطلق الشائعات الكاذبة لبث الفتنة بين الناس, وألا يقاتل المسلم المسلم تحت شعارات كاذبة مثل الدفاع عن الاسلام وعن حقوق الانسان وعن إقامة شرع الله, ومن يفعل ذلك فهو من الضالين, فبكلمة تهدم أوطاناً وبكلمة وتهدم أسرة وتهدم مجتمع, وبكلمة تقوم الحروب وتقسم البلاد ، وبكلمة تقطع الأرحام، وبكلمة تحقن الدماء، وبكلمة تجبر الخوآطر، وبكلمة يصبح الحق باطلاً والباطل حقًاً  بالزور والبهتان، و وبكلمة يدخل العبد فى رحمة الله ويدخل الجنة بإذن الله..

فحين يضعف الإيمان وتضعف المراقبة الذاتية لدى الانسان تنتشر آفات الكلمة السيئة وتنحدر القيم والاخلاق, إذاً أنت الآن مريض وفى حاجة إلى طبيب ودواء, والطبيب هو سيد الخلق أجمعين, والدواء فى قوله صلى الله وعليه وسلم :أعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . فهذه هى المراقبة الذاتية .

فهل نحن نسينا ان هناك مراقبة أخرى شديدة وضعها الله علينا وكلف بها ملكان يسجلان كل كلمة تنطقها وكل فعل تفعله؟ وذلك فى قول الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) سورة ق .

وفى يوم لاينفع فيه مال ولابنون, يذكر الله تعالى الإنسان بكل كلامه وأفعاله فى محكمة عادلة وأوراق القضية كلها فى يدك أنت, يقول لك الله, إطلع وإقرء كلامك الذى قلته وأفعالك التى فعلتها إقرء براحتك فانت اليوم على نفسك شهيد. قال تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) سورة الاسراء .

الكلمة خطيرة لابد أن نحذر ونفكر فى كلامنا، فبكلمة تدخل الجنة وبكلمة تدخل النار وبكلمة تستحل حلالاً, وبكلمة يصبح الحق باطل, وهذه نتائج كلمات اللسان إما خير إما شر, فليست المشكلة ان تقول خيراً, ولكن المشكلة أن تتحدث بالباطل والشر والفتن والكذب وبث الشائعات, وعلاج الكلمة السيئة بسيط وهو الصمت فلا تتحدث ما دمت لاتستطيع أن تقول خيراً, فليقل خيراً أو ليصمت.

وأنظر إلى سيدنا معاذ ابن جبل الذى قال فيه النبى هو اعلم الناس بالحلال والحرام , وفى يوم كان فى سفر مع النبى فساله أسئلة كثيرة ولكن نأخذ منها ما يخص الموضوع قال معاذ للنبى: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ( ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، إلا حصائد ألسنتهم) وفى ختام حديثى أقول أن كل المشكلات فى العالم كله من الكلمة, فإتقوا الله فى كلامكم وأفعالكم . ونستغفر الله من كل قول أو فعلاَ , ونسأله أن يحفظ ألسنتنا من السوء ولا نقول إلا خيراً أو نلتزم الصمت فاللهم ثبتنا بالقول الثابت فى الدنيا والآخرة . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى