الأديبة السورية هيام سلوم تكتب : الفرح النعامي …!
تفقدت جهاز الموبايل في اليوم الأول من السنة الجديدة ، مستطلعة لأي جديد من بعض رسائل الأقارب والأصدقاء ممن انشغلت عنهم ربما لتقلبات الاحداث في الشهر الأخير من عامنا الذي يغص بالمجهول ، وقد قرات الكثير من المعايدات تعبيراً عن الأمل والمحبة ، أغلبها رسائل مكتنزة بالشكوى وتعاني سوء الأحوال العامة سيما ما يتعلق بالأطفال والتزام أغلبهم في البيوت توخياً للحذر مما حصل .
أصبت بصداع من هول الواقع والإحباط الشديد ليلة رأس السنة يوم امتلأ بتراكمات ذكريات ويل الأمس وتداعيات الغد .
تجسدت لحظات خيمت مظلمة بلا شموع ، لم يقطع الكيك والحلوى بلقاء جماعي مهيب بل حاول الجميع تقطيع أوجاعهم وبعثرة لوعاتهم وتحسرهم .
جاءت خارطة المساء مبللة بالدهشة غابت فيها ألوان الفرح .
أول مرة منذ طفولتي أقضي ليلة رأس السنة بعيدة عن أسرتي .
كل في بيته لم ننجح في أن نكون حول مائدة واحدة كما كنّا أيام زمان .
إذ اعتدنا طابعاً تلقائياّ بهدوء أسري بسيط معبر يجتمع كل أفراد الأسرة في بيتنا الريفي وكل أسرة تأتي بنوع من الطعام يتقن إعداده .نجتمع على مائدة محبة ونقاش وضحكات وطُرَف ٍ وحكايات تجعل من أعياد رأس السنة شيء يستحق الاختمار الاكتناز بذاكرة ما زالت توقد شمع الأمل برغم كل ما حصل .
حاولت المقارنة بين العام الفائت عندما أصرت صديقتي فرح على أن نفاجىء الأطفال ببعض الفرح وقد أعدت بعض الهدايا لهم معززة بزي ولباس خاص لبابا نويل بمناسبة الميلاد ، يقدم هدايا بسيطة لأحفاد أسرتنا الذي تجاوز عددهم الثلاثين .
أما رأس السنة لهذه الليلة ، جاءت جاحدة بلا ماء مقطعة الهناء بين جدران باردة قلقة . ليلة تخنقها الكلمات والعبرات وجعاً على سوريتي ، تلك الصبية التي شغلت الدنيا بجمالها وعطائها وشمسها وبحرها وأرضها وسمائها بامتدادها وجذورها وعمقها وعنفوانها.
التزم الجميع بيوتهم تخوفاً مما يحدث في الخارج وبين ضحكات مفتعلة وحوارات مدبرة لبثِّ بعض الابتسام المبطن بصعوبة مع اشغال الأطفال عما يشغلهم بالتفكير بهدايا النوبل وتحت جهد الإصرار استسلموا للنوم بدمعة التحفت الرموش غطتهم بحزن ثقيل حتى ينبثق فجر ٱخر أجمل .
عاشوا ليلتهم بحلم نعامي هلامي .
وانزوى كل بمحراب من هموم وفكر وأوجاع .
برغم شاسعات الأفق الذي وهبنا الله،
أخفقت محاولتنا لبث الفرح وافتعال بعض الضحكات التي سرعان ما خبى وهجها وذابت كقطع سكر وسط فنجان من الشاي لمعتق الثقيل ،إذ لا تجدي نفعاً لإماطة الأذى الروحي بعد أن توعكت وأصيبت بحمى الشوق لأيام سالفة غابت قسراً عنا في ظل ظروف قاهرة.
إنها حياة لم تكن عادلة إذ تتوالى لياليها إلى أن يستعيد الفرح عافيته و تستيقظ السماء بلحظة نادرة وتزهر من جديد وتتوق لاستعادة ظلال مملكة الفرح التي ذبلت أغصانها بصقيع واقع مؤلم حد الجنون .
. قالت لي صديقتي إنها أحبت زميلها الجامعي وما زالت حتى الآن تستذكر لحظات يسقط فيها قلمها فيسرع ليناولها إياه بابتسامة كانت تفرح بحركته وكيف كانت تقضي أخر نهار من السنة معه على تورته وفنجان قهوة في كافيه .
وصفت لي سعادتها مبتسمة . هذه السنة لم تلتقيه …لكنها استرجعت مواقف ولحظات الإنبلاج فيها كبيراً.
ثم سألتني هل يكبر الحب ويزداد عمقاً مع الأيام أم أنه ينتهي مجرد الابتعاد عن الآخر .
أخبرتها : أن الحب لا يقاس بالسنوات كعمر الإنسان ، الحب يكبر بعظمة المواقفِ حتى لو كانتُ لحظات ،
فالحبُّ ليس كلام وثرثرة .
الحبُّ فعلٌ وسلوكٌ عشق .
تحية لكل من تمسّك بأغصان المحبة والفرح ولم تثنه تغيرات الزمكان ولا الظروف.
دامت أيامكم أعراس وأفرح.