توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 2 )

“جيفارا مات”، ولم تعد أغنيات الشيخ إمام وقصائد أحمد فؤاد نجم حاضرة في المشهد العربي، حتى أن أيديولوجية جيفارا قد واراها التراب قبل عقود، لأن العالم تغير كثيراً، بعد أن أصبحت الثورات -إضافة إلى صناعة الإرهاب وإثارة الطائفية- ألعاباً مفضلة للولايات المتحدة، لا لثوار أنهكهم النظام العالمي القائم، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، لهذا فلن تجد واشنطن غضاضة في تقديم ماكينات الإعلام الغربي، لأحد أكبر رؤوس الإرهاب الدولي في سوريا، باعتباره زعيماً معارضاً ومنتصراً، وهو أمر مثير للضحك، لأن الإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة لم تعد تمتلك من الابتكار، ما يجعلها تجرب أساليب جديدة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وما زال سيناريو الإسلام السياسي هو المفضل لديها، والذي تكرر مراراً في كثير من بلداننا العربية، بمساعدة قطيع الخراف الإخواني، الذي لم يفقد أياً من داعميه، حتى ولو هادنوا لبضع سنوات، وتحدثوا لغة المصالح مع مصر، باعتبارها الدولة التي تصدت إلى خرافهم منفردة منذ 2012، وقضت على قواعدهم الإرهابية، ولم يعد ينلها منهم سوى ثغاء خراف هزيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الخليفة العثماني عراب إسقاط النظامين البعثيين في الشرق الأوسط لصالح الولايات المتحدة

هي معركة خاضتها القاهرة دون سند، وأرادت بعد امتلاك زمامها، أن تنتزع دمشق وتخرجها من تحت العباءة الإيرانية، فعودة دمشق إلى الجامعة العربية تمت بضغوط وتفاهمات مصرية، لتجنيبها هيمنة المرشد الإيراني على قرارها السياسي، قبل إعادتها إلى محيطها العربي، ولكن الأسد لم يقتنص الفرصة، واختار الاحتماء بالقوى الأجنبية والتخلي عن شعبه الذي قاتله للرمق الأخير، وكان هذا السبب الوحيد وراء سقوط دمشق دون ضغطة زناد، لأن انسحاب عناصر الحرس الثوري ومن بعدها عناصر حزب الله اللبناني، تزامن مع تجميد عمل القاعدة الجوية الروسية، التي انشغلت طائراتها بنقل قوات الحرس الثوري خارج الأراضي السورية، ليختفي الجيش السوري بعدها في ظروف غامضة، وفي تكرار لسيناريو اجتياح الولايات المتحدة لبغداد، وهو الاجتياح الذي شاركت فيه تركيا أيضاً، لتكون عراب القضاء على النظامين البعثيين في المنطقة، بفارق زمني يتوافق مع حقبة حكم أردوغان للباب العالي.

سوريا في انتظار ترامب .. ومصر تراقب بحذر رغم التطمينات التركية

ترامب

والمؤكد أن مصر قد تقبل تقارباً مشروطاً مع الإدارة الجديدة لتؤثر لا لتتعاون، كما أنها لن تقبل بما يحاك لدمشق، ولو وقفت محايدة لبعض الوقت، بعد تعهدات شهدتها قمة الدول الإسلامية الثماني النامية، بعدم تبني مبدأ التقسيم الأكثر ضرراً لأنقرة منه لسوريا، نتيجة الوجود الكردي على الجانب الآخر من حدودها الجنوبية، إضافة إلى تعهدات مهندس العملية بالالتزام بسياسات مستقبلية إيجابية لا تحمل عداءً تجاه القاهرة، ورغم ذلك لا أعتقد أن مصر أو السوريين قد يسمحا بتنصيب نظام متطرف على مقعد الأسد ولو كان سنياً، لأن أزمة سوريا لم تكن في العلويين الذين أٌخرجوا من المشهد، ويتم التنكيل بهم في طرطوس الآن، بعد أن حكموا الأغلبية السنية لنصف قرن، بل أزمة سوريا المتجذرة، كانت في نظام عائلي اختار القمع دستوراً له، وعمل على التمييز بين طوائف مواطنيه، سواء السنة أو الأكراد أو الدروز، قبل أن يبيعه شيعته لأعدائهم المذهبيين بثمن بخس، وهو مصير ليس بعيداً عن الجولاني، إذا ما نجحت آمال تبني ترامب لسيناريو مغاير لما صاغته الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها، لهذا سيبقى الوضع دون تغيير كبير لحين قدوم سيد البيت الأبيض الجديد، الذي لم يهمل هذا الملف ليسابق إدارة بايدن في حصد المكاسب، بعد أن أرسل مبعوثيه وعمد للتنسيق مع روسيا، وهو ما جعل موسكو غائبة عن المشهد اختياريا، بعد أن حصلت على وعوود بالبقاء على شاطئ المتوسط، مقابل خطوة للوراء، وفق تصريحات وزير الخارجية التركية، ولكنها وإن كانت ألقت ورقة الأسد مبكراً بالتزامن مع إيران، بسحب مساندتهما العسكرية للأسد دون سابق إنذار، إلا أنها احتفظت بالأسد نفسه كرهينة لا كلاجئ، وهنا يمكنها مبادلته بقاعدة عسكرية إذا اقتضت الضرورة، وقد تستخدم موسكو قاعدتي حميميم وطرطوس لمساومة ترامب في الملف الأوكراني، لأن موسكو قد تبادلهما بأي ثمن، بعد أن وجد الروس لأنفسهم موضع قدم في المياه الدافئة للمتوسط، لهذا فقد يكون اللجوء الإنساني للأسد ورقةً أخرى قد تفاوض بها روسيا للبقاء في قاعدتيها العسكريتين مقابل تسليمه، كمطلب سيتحول قريباً إلى مطلب شعبوي لشغل الرأي العام في الداخل والخارج عن الجولاني ومخططاته التدميرية.

سقوط جيش مصر الأول قد يضع القاهرة في مواجهة دمشق مستقبلا

وبغض النظر عن القتال الدائر حاليا بين قوات “قسد” الكردية، والميليشيات الممولة من تركيا في شمال شرقي سوريا، لأنه مجرد قتال استكشافي أقل من طموحات أنقرة التي لم تحققها في 2003 ورأت أن الوقت أصبح مناسبا لتحقيقها الآن، بعد أن أنهكت المنطقة الحروب والنزاعات والثورات، وقضى الدولار على اقتصاداتها بفعل التضخم الامريكي المصطنع، فإذا لم تشتعل سوريا أكثر، فإن السيناريو الأخطر الذي يحاك من قبل قوى دولية وإقليمية فاعلة، يهدف لدعم الوافد الجديد إلى قصر الرئاسة السورية، ووضعه على رأس سوريا، كمكافئة لعدم إطلاقه رصاصة واحدة على دولة الاحتلال، وهو الذي سمح لنتنياهو أن يعتلي قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، ليتمكن من بسط سيطرة عسكرية فوقية على حدود أربعة من الدول العربية، وهو مالا يرضي مصر على الإطلاق، لأن هذا المخطط أفقد مصر جيشها الأول، وأطلق عليه الجولاني رصاصة الرحمة بتسريح عناصره واستبدالها بالفصائل المسلحة التي شاركته الزحف نحو دمشق، ورغم أنه جيش تحرك ضد شعبه فقط، ولم يحرك ساكناً على حدوده المستباحة لعقود، إلا أن بقاء قيادته معادية للاحتلال لا مهادنة له، كانت كفيلة بأن تأمن القاهرة جانبه، ولو تعارضت المصالح واختلفت الرؤى لسنوات، كما أن تل أبيب كانت لتخشى زحفه لاستعادة جولانه المنتهك، ولكن الآن لم يعد لدى دمشق جيش عربي، بعد أن أسندت قيادته لمرهف أبو قصرة، الذي لم ينتمِ قط للمعارضة السورية، بل انضم يافعاً إلى هيئة تحرير الشام حين كان مهندساً زراعياً على أعتاب عقده الثالث، وتخرج منها قائداً عاماً للجناح العسكري في “H.T.S”، “هتش”، وهو اختصار الجولاني لاسم جماعته، تيمناً بداعش الاسم المختصر لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهذا يمنحنا صورة لما سيكون عليه الجيش السوري الجديد، الذي سيصبح جيشاً منزوع السلاح بلا قدرات ردع، بعد أن دمر جيش الاحتلال غالبية أسلحته وقواعده.

الجولاني

وكل ما سبق قد يسهم في مواجهة مستقبلية تاريخية، تقف فيها دمشق للمرة الأولى في مواجهة القاهرة، إذا استثنينا مزايدات نظام محمد مرسي الإرهابي تجاه الأسد والثورة السورية، وقطع العلاقات مع دمشق إبان حكم الجماعة الإرهابية، وهي أيام لا يعول عليها، لأن دمشق لم تأخذ مزايدات مرسي وخرافه على محمل الجد، ولأن اللاعب الحالي في مواجهة التنظيم الدولي الإرهابي، هو نفسه قائد الجيش المصري وقتها، والذي لم يكن يقبل تحركاً يستهدف استقرار سوريا أو غيرها من الدول العربية، لهذا فإن الأوضاع ولو انعكست بفعل المرآة الأمريكية، التي تقتبس سيناريوهاتها الجديدة، من سيناريوهات عفى عليها الزمن، فلدينا فهماً وتحليلاً وخططاً لمواجهتها إذا تعارضت مع مصالحنا الوطنية، وعلى الأنظمة العربية أن تتريث قليلاً ولا تتهافت على القائد الجديد الذي لا يحمل جنسية البلد الذي يحكمه، لكسب رضا الخليفة ومرشده الأكبر في واشنطن، لأن الاندفاع غير المحسوب نحو سوريا، وبذل الأموال والمقاتلين لتحويل المشهد السوري من ثورة على نظام فاسد، إلى نزاع طائفي قبلي يشعله مرتزقة يسبحون بحمد الدولار، هو ما ساهم في إسقاط دمشق، لا الرجل الذي غادر جلبابه ونقاب وجهه وأُسقط داخل حُلة أمريكية فاخرة على الأراضي السورية.

اقرأ أيضا : 

محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 1 )

محمد شكر يكتب : دمشق الحرة وسوريا العارية .. السقوط الأخير لحاضرة الخلافة بين جذور القهر وطائفية الثورة

محمد شكر يكتب : نبيل الحلفاوي .. ضمير النجوم وسفير الحقيقة الأكثر تطرفاً للوطن وانحيازاً للإبداع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى