أخبار العالمتوب

مهندس معاهدة السلام بين مصر و إسرائيل .. جيمي كارتر من بائع للفول السوداني إلى ساكن لـ البيت الأبيض .. تأثر بمربيته والمُزارعة السوداء .. وشعر بوخز ضمير تجاه الفلسطينين بعد ترك منصبه

أعلنت وكالة رويترز وفاة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الحائز على جائزة نوبل للسلام، يوم الأحد، عن عمر يناهز 100 عام.

وقبل وفاته، كان كارتر قد شارك في الانتخابات الأمريكية لعام 2024، حيث أدلى بصوته عبر البريد، وفقاً لما أكده مركز كارتر في بيان رسمي.

وتأتي مشاركة الرئيس السابق في الانتخابات بعد أسبوعين فقط من احتفاله بعيد ميلاده المائة، الذي قضاه في منزله بمدينة بلاينز بولاية جورجيا، حيث كان يقيم في دار لرعاية المسنين.

سياسي أمريكي شغل منصب الرئيس الـ39 للولايات المتحدة الأمريكية من 1977 إلى 1981، ونال جائزة نوبل للسلام عام 2002. نشأ في مزرعة بالجنوب الأمريكي،  وتحول من فتى قصير وخجول، إلى ضابط في البحرية الأمريكية.

المولد والنشأة

ولد جيمس كارتر في الأول من أكتوبر الأول 1924، بمستشفى وايز في بلينز بولاية جورجيا بالجنوب الأمريكي.

وهو أول رئيس أمريكي يولد في المستشفى، إذ كانت معظم النساء تلدن في المنزل حتى عشرينيات القرن الـ20.

سُمّي الصبي باسم والده، وبدلا منه أحب اسم جيمي، وكان الابن الأكبر لوالده المزارع ورجل الأعمال، وله أختان وأخ واحد، أما والدته فكانت ممرضة.

تملك أجداده أراضي الهنود الحمر أواخر عشرينيات القرن الـ19 بأسعار منخفضة جدا، وفي ثلاثينيات القرن الـ19 استحوذوا على مئات الأفدنة الإضافية، في عهد الرئيس آندرو جاكسون.

عرفوا بداية بزارعة القطن، حيث استخدموا العمال الزراعيين السود، وقاوموا الحكومة الفيدرالية عندما منعت تجارة الرقيق، كما كان والده مرتاحا لنظام الفصل العنصري الصارم، وألغت والدته ذلك داخل المنزل.

في الرابعة من عمره، انتقلت الأسرة عام 1928 إلى مزرعة في بلدة آرتشري، والتي كانت موطنا لأقل من 30 عائلة فقط، معظمهم أمريكيون من أصل أفريقي.

وعلى الرغم من أن المنزل استخدم مواقد الحطب للتدفئة ومياه الآبار، ولم تكن به سباكة داخلية أو كهرباء حتى عام 1935 عندما كان في الـ13 عاما، إلا أنه كان مسكنا ريفيا نموذجيا للطبقة المتوسطة في تلك الحقبة.

كانت حياة المزرعة البسيطة تحيط به في كل مكان، أحب صيد الأسماك، وتسلق الأشجار، وركض لالتقاط ما تسقطه بندقية والده من طرائد.

كان يتجول حافي القدمين في طريق ترابي وسط الحقول الشاسعة التي يمتلكها والده، ولم يكن يرتدي أحذية قط حتى في المدرسة

عاقبه والده بالسوط وهو في الخامسة من عمره، عندما سرق من القروش التي كان يعطيه إياها كل صباح ليضعها في طبق جمع التبرعات للمدرسة.

وقال إنه وعده بساعة ذهبية إن لم يدخن، لكنه دخن في الـ11 عاما السيجارة الأولى والأخيرة، واعتبر ذلك أهم قرار اتخذه في حياته.

وفي الـ12 عاما، سمح له بسياقة أول سيارة دون حاجة لرخصة قيادة حتى عام 1940.

مربيته المهمة والمزارعة أمه الثانية

اعتبر مربيته “آني ماي هوليس” شخصا مهما في حياته، وكانت المزارعة السوداء “راشيل كلارك” بمثابة أمِّه الثانية، وجعل اسمها عنوانا لقصيدة أولى في كتاب صدر له عام 1955.

عام 1946 تزوج جارته روزالين وهي في الـ17 من عمرها، ورزق منها بثلاثة أبناء وابنة واحدة.

وحكى أن زواجهما الذي دام أكثر من 77عاما كاد أن يتدمّر عندما استقال من البحرية دون استشارتها، وخلال كتابة الفصول الخاصة بهما في توثيق مذكراتهما عام 1987.

عشق الموسيقى الكلاسيكية، حتى إنه استفاد من دعم فرقة (ألمان براذرز) في حملته الانتخابية، ومُنِح جائزة جمعية موسيقى الريف لاهتمامه ودعمه لها.

جيمي كارتر أصدر نحو 32 كتابا نُشرت في الفترة ما بين 1975 و2018 .

الدراسة والتكوين العلمي

تعلم القراءة والكتابة قبل أن ينتظم في المدرسة، إذ تَربّى في وسط عائلي عرف بعادة القراءة على طاولة الطعام، وتخصيص عشاء كل يوم أحد للنقاش.

قبل أن يبلغ السادسة من عمره، التحق بمدرسة بلينز، التي أنشئت عام 1921، وعُدّت مركزا أساسيا للتعليم في المنطقة.

تلقى تعليما ثانويا متكاملا من الصف الأول إلى الصف الـ11، وتخرج طالبا متفوقا عام 1941، من الثانوية التي تخرجت منها زوجته أيضا عام 1944.

كان مولعا بقراءة الكتب، وفي خطاب تنصيبه الرئاسي، ذكر كيف كانت معلمته جوليا كولمان مصدر الإلهام الفكري والثقافي له.

لعب كرة القدم والبيسبول، وانضم إلى فريق كرة السلة الجامعي، وكان يلقب بـ”بي وي” (تعني صغير جدا) لأنه كان الأقصر، لكنه كان الأسرع وفاز بالعدو في المسافات الطويلة.

ترك مزرعة والديه بعد المدرسة الثانوية، والتحق بكلية جورجيا الجنوبية الغربية في أميركوس، ودرس بها لسنتين.

كان ينوي قضاء حياته ضابطا بحريا اقتداء بعمه، غير أن عضو الكونجرس المحلي آنذاك، رفض التوصية به في الأكاديمية البحرية الأمريكية، إلى أن يدرس فصول الرياضيات والعلوم.

التحق بمعهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا مدة عام، وكان ضمن أفضل عشر طلاب في فصله، وبعد ذلك، قبل في البحرية في أنابوليس عام 1943، حيث اجتاز الاختبار الجسدي المخيف، إذ لم يكن طويلا بما فيه الكفاية ونحيفا، وكانت أسنانه غير مرتبة، وقدماه مسطحتين، وكان يعاني من احتباس البول.

تلقى علوما في الهندسة البحرية، وأنظمة الغواصة المعقدة، واجتاز بنجاح اختبارات الخوف من الأماكن المغلقة، وتخرج في الدفعة الـ47 عام 1946 بالمركز الـ60 من إجمالي 820 طالبا في الأكاديمية.

تابع دراسة الفيزياء النووية، وهي دورة غير معتمدة لستة أشهر بكلية يونيون بنيويورك، وعندما نقلته مهمته البحرية إلى كونيتيكت عام 1948، تلقى دروسا في اللغة الإسبانية وفي الفن.

كان جيمي يساعد في الحقول منذ سن مبكرة، وتعلم عددا من المهارات، بما فيها النجارة والحدادة.

وفي الخامسة من عمره، بدأ يبيع أكياس الفول السوداني المسلوق في شوارع مدينته، وقال لاحقا “إن بيع الفول السوداني لم يكن أمرا سهلا، لكنه كان تدريبا جيدا”.

عندما بلغ التاسعة من عمره تاجر في القطن، إذ كان يشتريه بسعر منخفض، ويحتفظ به حتى يرتفع سعره ويبيعه.

وخلال سنوات مراهقته جمع مع ابن عمه الصحف القديمة والخردة المعدنية وباعاها، لكن عملهما المفضل كان استخدام واجهة متجر فارغة لبيع “الهامبرجر”.

شارك والده في بيع البذور للمزارعين، وفي الـ16 من عمره عمل بدوام جزئي مراقبا لزراعة المحاصيل في إدارة تحسين الزراعة التابعة للحكومة.

قبل توليه الرئاسة، قُدّرت ثروته (دون إخوته)، بأكثر من 3 آلاف فدان من الأراضي الزراعية، وملايين الدولارات على هيئة أصول ثابتة.

وبعد انتهاء ولايته، وصلت ديونه إلى حوالي مليون دولار، فباع العمل لشركة بدأت في استغلال الفول السوداني ومعالجته في جورجيا.

دَرَّس الإنجيل منذ التحاقه بالكلية البحرية، وتابع ذلك في كنيسة بلدته طوال عشرين عاما.

وفي عام 1982، أصبح أستاذا جامعيا متميزا في جامعة إيموري العريقة في أتلانتا، حيث أمضى بهذا المنصب 29 عاما.

لواء الفول السوداني

اقتداء بوالده، انخرط في الشؤون المدنية في بلدته، وفي العام 1962، انتُخب عن عمر يناهز 39 عاما، ممثلا لها في مجلس الشيوخ، وأعيد انتخابه عام 1964 لولاية ثانية.

عام 1966، فشل في الحصول على ترشيح حزبه لمنصب الحاكم، وعانى “انهيارا تفاعليا حادا” بحسب مساعده الطبيب النفسي بيتر بورن.

لكنه عام 1970، فاز بالمنصب، وأصبح الحاكم الـ74 لولاية جورجيا من عام 1971 إلى 1975، حيث أعلن أن زمن التمييز العنصري أصبح من الماضي.

في 12 ديسمبر 1974، أعلن عن ترشحه لمنصب الرئيس، ولم يكن معروفا خارج حدود ولايته، وخلت نتائج استطلاع من اسمه بين 32 مرشحا محتملا آنذاك.

كان الرد الشائع على ترشيحه عام 1976 هو “جيمي من؟”، وعد فوزه مستبعدا، حتى إن والدته سألته “رئيس ماذا؟”، وفي مسعى الإجابة عن هذا السؤال، باشر حملته في وقت مبكر، وركز على جذوره مزارعا جنوبيا، حيث اختار حبة فول سوداني كبيرة مبتسمة شعارا لحملته، وأطلق أنصاره على أنفسهم “لواء الفول السوداني”.

كان يبحث عن التغيير بعد الفضائح التي هزت البلاد، وهَزَم جيرالد فورد بهامش ضيق نسبيا، لكنه كان حاسما في كل من الأصوات الشعبية والانتخابية.

واستخدم مستودع قطار وسط مدينة بلينز مقرا رئيسيا لحملته المحلية وموقع الاحتفال بانتخابه رئيسا، وقد مثَّل فوزه النصر الديمقراطي الوحيد في الانتخابات الرئاسية التي أجريت بين عامي 1968 و1988.

أصبح أول سياسي من أقصى الجنوب يتولّى هذا المنصب، منذ زكاري تايلور الرئيس الأميركي الـ12 عام 1848.

وبعمر التسع سنوات، وكانت ابنته إيمي أول طفلة صغيرة تعيش في البيت الأبيض.

في العشرين من يناير 1977، أدى القسم وألقى أقصر الخطابات في سجل تنصيب الرؤساء الأمريكيين.

وفي تجسيد لانفصاله عن التقاليد، أصبح أول رئيس يتخلى عن “الليموزين” المصفحة، وسار وعائلته إلى البيت الأبيض مشيا على الأقدام. ودعا زوجته لتكون أول سيدة أولى تحضر اجتماعاته، واجتماعات الحكومة بوصفها مستشارة، وتراجع أوراقه.

بعد تنصيبه، بدأ كارتر بتدوين مذكراته في دفتر ورقي، وانتقل إلى تسجيلها صوتيا، بينما كانت تحررها سكرتيرته “سوزان كلوف” على الطابعة، وذكر لاحقا، أنه لم يتفحص تلك المدونات حتى شهر فبراير 1981.

وأسس نظاما صوتيا في المكتب الداخلي للاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية يوميا، وكان يضع جدولا يوميا خاصا، ويحرص على ممارسة لعبة التنس في ملعب البيت الأبيض.

وخلال فترة ولايته، تفاوض على اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأقام علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وتفاوض على معاهدة سولت الثانية مع الاتحاد السوفيتي، وهي اتفاقية شاملة تحد من تطوير الأسلحة النووية.

سلبيات أطاحت به

وكان احتجاز 52 دبلوماسيا ومواطنا أمريكيا في إيران، كان أهمّ حدث في العام الرئاسي الأخير له، وقال إن ذلك سبب له الكثير من القلق والهمّ الشخصي.

كانت هذه الأزمة التي دامت 14 شهرا، إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم المستمر، سببا في تدني شعبيته، وفقده كرسي الرئاسة لولاية ثانية عام 1980، أمام الجمهوري والممثل السابق رونالد ريجان.

ترك منصبه الرئاسي وعمره 56 عاما، وكان آنذاك لا يملك غير ماضيه السياسي واحتمال “الفراغ” مستقبلا، لكنه عاد عام 1982 وأسسّ مؤسسة كارتر، وانضمّ إلى مجموعة الحكماء التي أسّسها نيلسون مانديلا عام 2007، وبقي نشيطا في مساعي حل النزاعات وتشجيع الديمقراطية والتنمية الإنسانية في العالم.

وقد تبرع بجميع المواد التاريخية الخاصة به للأرشيف الوطني، حيث تعد مكتبته واحدة من 9 مكتبات رئاسية تديرها إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية.

مُهندس كامب ديفيد .. ووطن للفلسطينيين

في عام وصوله إلى سدّة الحكم، أثار خطابه في اجتماع عقده في مدينة كلينتون جدلا واسعا، حين قال “يجب أن يُقام وطن للاجئين الفلسطينيين الذين عانوا سنوات طويلة”.

ثم عاد ليقول في لقاء مع أعضاء الكونجرس بالبيت الأبيض :أفضل أن أنتحر سياسيا على أن أخطو خطوة واحدة فيها ضرر على إسرائيل.

في مارس من العام نفسه، كان مهندس مفاوضات أدّت إلى توقيع أول وثيقة سلام بين إسرائيل ودولة عربية، حيث أشرف على اتفاقيات كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في 17 سبتمبر 1978.

وبعد عقود على تَخلُّصه من أعباء وقيود مسؤولية البيت الأبيض، انتقدَ بعض الإجراءات والسياسات الإسرائيلية، وكان ما قاله إنه يشعر كأمريكي بأنه مسؤول، ولو بشكل جزئي عما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني.

ووصف الحصار على قطاع غزة عام 2008 بأنه جريمة ضد الإنسانية، وواحد من أفظع الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في العالم.

وكانت له مواقف أخرى، انتقد فيها الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، واستنكر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ورفض ما أَسمَاه استغلالا من إدارة الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش لتفجيرات 11سبتمبر 2001، وطالب بإعادة التحقيق في تلك الأحداث.

كان مؤيدا لهاريس ومتابعا لمعاناة غزة

و عبّر جيمي كارتر، قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة،والذي كان يتلقى رعاية تلطيفية في منزله منذ فبراير 2023، عن أمله بأن يبقى على قيد الحياة للتصويت لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفق ما نقلت صحيفة محلية عن أحد أحفاده.

وقال حفيده وقتها ، يبدو كارتر أكثر حيوية ومهتماً بالسياسة وبالحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحركة حماس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى