محمد شكر يكتب : الولايات المتحدة تنتحل ثورية جيفارا .. ومرشد واشنطن يبارك قائد خراف الخليفة في دمشق ( 1 )
تولد الأنظمة الشمولية من رحم الصراعات والثورات والاضطرابات السياسية، وبغض النظر عن الأزمات وموجات التمرد في العالم العربي، فأن “الثورة يصنعها الشرفاء، و يقودها الشجعان، ثم يسرقها الجبناء” كما قال تشي جيفارا، والسوابق التاريخية تؤكد صدق سرديته، حول مصائر الثوار والأوطان على حد سواء، لأن جيفارا مشعل الثورات، وهادم الأنظمة، وقائد كتيبة قتال الإيديولوجيا الغربية حول العالم، أعدم رميا بالرصاص في أحراش بوليفيا، وذلك بعد أن نجا من مصير مماثل في الكونغو، وهو الأرجنتيني الأصل، الذي يقف ضريحه شامخاً في كوبا، ورغم انعكاس ما سبق على مجده القائم على الأيديولوجيا أكثر من الثورية، مات جيفارا وتخلت عن أفكاره الدول التي قاتل لدفعها شرقاً، ليكمل العالم طريقه نحو الغرب من دونه.
الغرب تبنى ثورية جيفارا لتفتيت المنطقة بالاعتماد على الأيديولوجيا والطائفية والقبلية
فالعالم الجديد لم يعد يؤمن بالأيديولوجيات البالية، لأن المصالح أصبحت الهاجس الوحيد لحكامه، الذين سخروا أي شيء وكل شيء لتحقيق مصالحهم الاقتصادية والسياسية حول العالم، فالأيديولوجيا والطائفية والقبلية جميعها أسلحة غربية، يمكن استخدامها وقت اللزوم، والمصالح تختلف باختلاف موقع كل لاعب من رقعة الشطرنج، ومدى قربه من ملك الرقعة في البيت الأبيض، وفق المتغيرات الزمنية والسياسية وأيضاً الاستراتيجية، التي تحدد طرق تحقيق الأهداف والمصالح، ليتبنى الغرب الحاكم استراتيجية الثورات في العقود الأخيرة، لا تيمناً بمسيرة جيفارا الثورية، بل تحقيقاً لمصالح لا تتحقق إلا بنهب الشعوب وتدمير الحضارات.
الولايات المتحدة استلهمت استراتيجية جيفارا في الشرق الأوسط بعد أن أعدمته رمياً بالرصاص
وإذا كان جيفارا قتل برصاص وكالة الاستخبارات الأمريكية عام 1965، لأنه فقط أراد إشعال ثورة أو ثورات، ومصالح الولايات المتحدة في هذا الوقت، كانت تتعارض مع تغيير الأنظمة الجاثمة على صدور الشعوب، وأغلبها دول مستعمرة، أو أنظمة عميلة لقوى استعمارية سابقة، فالآن وبعد أن مات جيفارا وأيديولوجيته، وانفردت الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، أصبحت واشنطن راعية الثورات الأولى والمدافعة عن حقوق الإنسان، رغم عنصرية حاكميها وكثير من المنتسبين إلى جنسيتها، في تغيير واضح لاستراتيجياتها تجاه أوروبا والشرق الأوسط، عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، وذلك كنتيجة حتمية لغياب موسكو الجديدة مبتورة الأطراف، التي لم تعد نداً لواشنطن، بعد اقتطاع العديد من الدويلات وبالتالي الموارد والسيطرة الجيوسياسية من جسد الاتحاد السوفيتي السابق.
مبيعات الأسلحة وشركات إعادة الإعمار والقواعد العسكرية سبل واشنطن للهيمنة العالمية
فالعالم يستعد لحرب عالمية ثالثة، منذ أن وضعت الحرب الكبرى أوزارها، واختلاف الأعداء يعني استمرار الولايات المتحدة على نهجها في الحرص على تصدر قيادة العالم، ودفع أي منافس بعيداً عن نفوذها الذي يحاصر حلفائها قبل منافسيها، فالولايات المتحدة ابتلعت كوكب الأرض، ولن تقبل أن تلفظه لأي سبب كان، ما دفعها في العقود القليلة الماضية، لتبني استراتيجية تعمل من خلالها على إثارة التوترات والحروب والثورات، لبسط الهيمنة والنفوذ، ومن ثم زيادة مبيعات الأسلحة، وفرض الضغوط الدبلوماسية والأممية، لتسهيل الاستحواذ على أصول أو قواعد عسكرية، أو حتى إزاحة المنافسين من طريق الشركات الأمريكية، التي تنافس على النفط والطاقة وإعادة الإعمار لتصب ضرائبها في خزائن الفيدرالي الأمريكي، وهذا أضعف الإيمان، لهذا يبقى الشرق الأوسط بثرواته وموقعه الجغرافي الحاكم، -دون أن يدري حكامه- رهناً للمخططات الأمريكية، ولتصبح سوريا، آخر الأجرام العربية التي سقطت ومن المنتظر أن يبتلعها ثقب الولايات المتحدة الأسود.
واشنطن لا تل أبيب من تبنت مبادرة إسقاط الأسد بتفاهمات إيرانية روسية
ولأن اللعبة أمريكية بامتياز، ورائحة المخابرات المركزية تزكم الأنوف، سنجد لدى واشنطن سيناريو قديم جديد لكل متغير يحيط بالمنطقة، وهي مخططات رفضتها مصر مراراً، لتقاتل من أجل أمن الحدود العربية المستهدف أو المستباح، ليأتي سقوط دمشق السريع، وفق مؤامرة تبنتها واشنطن لا تل أبيب، مستغلة تصعيد دولة الاحتلال لحربها على غزة ولبنان، لتجد فيها فرصة لإحياء مخططات التقسيم، أو على الأقل اقتطاع المزيد من الأراضي العربية لصالح دولة الاحتلال، التي تستخدمها الولايات المتحدة، كقاعدة هي الأكبر على الإطلاق للأسلحة الأمريكية، بغض النظر عن اليد التي تطلق السلاح، لتمتد شظايا الحرب الدموية إلى سوريا بفعل إيران، التي سقطت في فخ نتنياهو متناسية أنه يستهدفها منذ البداية، ويحاول إيلامها ودفعها دفعاً للتخلي عن أذرعها الطائفية، وهذا التخلي دفعه للتخلص من حزب الله في الشمال، وتحييد نظيره العراقي بضربات عسكرية وضغوطا دبلوماسية أمريكية، ومع مشقة ضرب إيران أو حتى جماعة الحوثي اليمنية، أصبح نظام الأسد الهدف الأخير لإسرائيل، وسوريا الملعب الجديد للولايات المتحدة.
الخليفة العثماني قايض رأس الأسد بقنبلة إيران النووية
ومع هوان إيران وتخاذلها منذ مقتل قائدها إبراهيم رئيسي في حادث سقوط مروحيته الرئاسية، كانت الفرصة سانحة أمام الخليفة العثماني، ليتقدم ويساوم طهران على نظام الأسد، الذي حاول طوال الأشهر الثلاث الماضية أن يجالسه، فقط ليلتقط صورة مع رأس سوريا، قبل أن يتعاون في التخطيط لقطعها، وربما لو جلس الأسد مع أردوغان لتغير المشهد الحالي، لأن ما رفضه الأسد قبلته طهران، التي اختارت في اجتماعها مع أنقرة وموسكو تحت أعين أمريكية، أن تقايض الأسد بقنبلة نووية، ربما تعلم أن نتنياهو لن يمهلها الوقت لصنعها، لتتحول سوريا إلى ورقة اللعب الأخيرة في كف المرشد الإيراني، التي ألقاها مبكراً لتحترق على أرضٍ ما زالت مشتعلة، وتخرج إيران من المشهد الإقليمي إلى الأبد.
ومن كل ما سبق، مخطئ من يفصل ما بين قطيع الخراف المطارد في أرجاء الأرض، وبين ما يحدث في حاضرة الخلافة الأموية، فالخليفة العثماني لم يتغير بفعل تغير مسميات المناصب التي شغلها، ومن قبل سابقت قواته القوات الأمريكية إلى الأراضي العراقية، لهذا ليس غريباً أن يختار قائدا جديدا لقطيع خرافه في سوريا، والأغرب ليس في أن يبارك المرشد الأكبر في واشنطن جلوس الجولاني على مقعد الأسد، أو أن تخرج طهران من اللعبة خالية الوفاض، في وقت ينتظر الخليفة العثماني مكاسب اقتصادية، ومكافآت ولاء أمريكية إسرائيلية، ولكن المدهش والمؤلم في الوقت نفسه، أن التهديد يطال كل المتهافتين على نيل رضا الإدارة الجديدة في دمشق، بينما تراهن مصر وحدها على سوريا، رغم أنها تتحدث أيضاً لغة المصالح، وتدرس متغيرات الموقف، لتتدخل في تعديل المسار وفق مصالحها، لهذا تتريث القاهرة قبل أي تحرك في ملف أكثر تعقيداً حتى من الملف الفلسطيني.
اقرأ أيضا للكاتب محمد شكر
محمد شكر يكتب : نبيل الحلفاوي .. ضمير النجوم وسفير الحقيقة الأكثر تطرفاً للوطن وانحيازاً للإبداع