د. عادل القليعي يكتب : أيها المتكبرون .. من تواضع لله رفعه
ليس ثمة شك أن التكبر رذيلة ممقوتة، نهت عنه كل الشرائع السماوية، بل وتعد من ضمن قائمة الرذائل التي ناقشتها فلسفة الأخلاق على مر تاريخ الفكر الفلسفي منذ القديم وحتى عصرنا.
فالله تعالى نهى عن التكبر وحقر من شأن المتكبرين، بل وتوعدهم الله تعالى في حديثه القدسى، الكبرياء رداءي والعظمة إزاري من نازعني فيهما أدخلته ناري ولا أبالي.
أليس التكبر جريمة عرضت إبليس إلي الطرد من رحمة الله عندما أمره الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام (إلا إبليس أبى واستكبر)، ألم يتكبر فرعون ويتأله على الله وأدعى الألوهية، والنتيجة أغرقه الله في اليم، وأصر واستكبر استكبارا، قال، آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وحتى يكون عبرة لمن أراد الإعتبار، لكن المتكبرون ملة واحدة- فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، فهل من متعظ، هل من مجيب.
وقارون تعالى علي الله، (قال إنما أوتيته على علم عندي)، تكبر وقال لم يعطينيه أحد وإنما اجتهدت وجمعت هذا المال.
كلا وألف كلا الذي أعطاك إياه الله الرزاق ذو القوة المتين.
وكل الرسل والأنبياء تعالى وتكبر عليهم أقوامهم واستهزءوا بهم ونهروهم، فهاهم قوم صالح وشعيب وأصحاب الايكة، وقوم نوح، سخروا واستكبروا، وكفار قريش، تكبروا على النبي صل الله عليه وسلم.
وتعالوا على القرآن الكريم وسخروا من الإسراء والمعراج واتهموا المعصوم بالسفه، ألا إنهم هم السفهاء، فهاهم رؤوس الشياطين رؤوس الكفر الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف، وأبو جهل ولكل عصر أبا جهله وأبا لهبه، ومنافقين المدينة الذين مردوا على النفاق (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة)، ولكل زمان منافقيه وفي كل مكان يوجد ابن سلول المتكبر الذي يبدي من طرف اللسان حلاوة ويروغ منا كما يروغ الثعلب.
(ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليهلك الحرث والنسل)، ليشيع الفتنة بين الناس ليشكك الناس بكبره واستعلاءه وتألهه على الله، ليشكك الناس في دينهم ومعتقدهم.
فيا أيها المتكبر ، هل نسيت أم تناسيت أم جهلت أم أنساك الشيطان نفسك فنسيت الله، هل نسيت أن الملك الجبار المتكبر، وهذه أسماء لله تعالى، هل زين لك الشيطان سوء عملك فرأيته حسنا وجعلك تتعالى وتتطاول وتتنطع وتتأله على الله، والله تعالى هو الكبير المتعال.
هل سولت لك نفسك الدنيئة أن تتعالى على القرآن وعلى سنة النبي صل الله عليه وسلم.
أما تعلم أن ثمة لقاء سيجمعنا به سبحانه وتعالى، ووقوف بين يديه وموازين ستنصب، وصراط ستمر عليه، وجنة عرضها السموات والأرض، فإن كنت تجهل ذلك فمعذور بجهلك.
لكن أنت لا تجهل بل تعلم علم اليقين ذلك ولكنك تستكبر وتعاند وتكابر.
فخسرت الدنيا والدين وذلك هو الخسران المبين، خسرت الدنيا فباتت حياتك ضنكا وأصبح عيشك كدا كدا، ليس هذا وحسب، أيها المتكبر ستصب عليك اللعنات صبا وسيمقتك الجميع حتى ملابسك التي ترتديها ستعافك حتى أقرب الناس إليك سينفر منك، حتى طعامك سيشمئز منك فكيف تأكله وتتكبر على من رزقك إياه.
فلم تتكبر أما تعلم أنك أولك نطفة قذرة، وآخرك جيفة نتنة.
أما تتعظ من دخولك القبر، تخيل حالك بعد موتك، حالك على خشبة الغسل، أين لسانك الذي نفث بذئ الكلام، أين أعضاءك رأسك الذي تعاليت به على خلق الله، وجهك الذي صعرته للناس بتعال وتكبر، ما الذي اسكتك وشل حركتك.
أين عقلك، طبع الله على العقول وران على القلوب، ظننت أن شهرتك ستمنعك من عذاب الله، ظننت أن جاهك وسلطانك ومالك أعز عليك من الله، أما تعلم أن الملك سيقف وينادي، لمن الملك اليوم، لا أحد يجيب، أين المتكبرين، أين الطغاة الذين طغوا وبثوا سمومهم وسموم أفكارهم فضلوا وأضلوا.
يا من تتكبرون، تكبركم بغي وفساد في الأرض والله لا يحب الفساد.
يا من ظننتم كبرا أنكم تستغنون بعقولكم عن الله وعن الأنبياء والرسل، أقول لكم أعرضوا الأمر على ما تبقى من عقولكم، هل العقل يصل بك إلى كنه الحقيقة، العقل قاصر عن الوصول إلى الحقيقة كاملة، فلماذا تقحمونه في أمور لا طاقة له بها، لماذا تقحموه في المعجزات، لماذا تقحموه كذبا وزورا وبهتانا في حديث هو نفسه منه برآء، أليس لعقولنا حدود تقف عندها.
هل زاغت أبصاركم عن الحقيقة، أم هو الكبر والعناد.
أقول لكل من تسول له نفسه التطاول على كتاب الله بآياته المحكمات وآياته المتشابهات، أقول لهم قفوا عند منتهاكم حتى لا تسقطوا في الفتنة، وحتى لا يؤاخذنا الله بما فعلتموه.
أفيقوا من سباتكم قبل فوات الأوان وأعلنوا توبتكم وأوبتكم واغسلوا حوبتكم، لعل الله يعفو عنكم ويقبل توبتكم فبابه مفتوح لا يرد قاصده، وتواضعوا لله تعالى، فالذي وهبكم هذه العقول قادر على أن يسلبكم إياها في لمح البصر.
واعلموا أنما أوتيتم من العلم فهو قليل، فلا تتكبروا بعلمكم وتواضعوا لله فمن تواضع لله رفعه ومن تعالى عليه خفضه.
وأختتم حديثي بما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يذكر بها ، لا تعظموني كما يعظم الاعاجم ملوكهم ، وعندما رأي الرجل تأخذه رهبة عندما رآه ، قال هون عليك يا أخا العرب فما أنا إلا ابن امرأه كانت تأكل القديد.
تواضعوا لله ولا تتكبروا على عباد الله ، ولا تغتروا بمناصبكم وجاهكم وسلطانكم ، لن ينفعكم جمالكم ولا أولادكم ولا أموالكم.
يقول تعالى (ولقد جئتمونا فرادي وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) ..صدق الله العظيم.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
اقرأ أيضا– د. عادل القليعي يكتب: محمد رسول الله صل الله عليه وسلم، هو النبي لا كذب، هو ابن عبد المطلب.