داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : سوريا عبرة ومصر في المواجهة .. وعي الشعب هو السلاح

ليست سوريا اليوم مجرد دولة منكوبة أو ساحة صراع عابر، بل هي نموذج حي لمخطط دولي معقد استهدف تفكيك الدولة من الداخل، وضرب ركائزها السياسية، والأمنية، والاجتماعية.
ومن يدرس مسار الأحداث فيها، يدرك أن ما جرى لم يكن وليد لحظة أو صدفة، بل هو تنفيذ ممنهج لاستراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي استُخدمت ضد دول عربية محورية في إطار مشروع تقسيم المنطقة.
إن ما حدث في سوريا ليس بعيدًا عن مصر، بل يحمل بين طياته إنذارًا وتحذيرًا، يُحتم علينا جميعًا كشعب مصري بيحب مصر أن نرفع منسوب الوعي، ونصطف خلف القيادة السياسية، وندعم مؤسسات الدولة، والجيش والشرطة المصرية حفاظًا على أمن واستقرار الوطن.
أولًا: سوريا .. من الدولة المحورية إلى ساحة نزاع دولي
منذ عام 2011، تحولت سوريا من دولة ذات ثقل إقليمي إلى ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والإقليمية.
بدأت الأمور بتظاهرات مطلبية، وسرعان ما تم اختراقها من قبل قوى خارجية، وميليشيات مسلحة، وجماعات تكفيرية، مما أدى إلى إشعال حرب أهلية مدمرة.
• تدخلات أجنبية مباشرة: حيث تعددت أشكال التدخل الدولي في سوريا، من تدخلات أمريكية وروسية، إلى وجود إيراني وتركي واسع النطاق، وكل منها يسعى لترسيخ نفوذه على حساب وحدة الدولة السورية.
• تفكيك مؤسسات الدولة: شهدت سوريا انهيارًا تدريجيًا في بنيتها الأمنية والعسكرية، مع اختراقات واسعة داخل الجيش، وأجهزة الأمن، والمؤسسات القضائية، ما جعل البلاد عرضة للانهيار المؤسساتي.
• تدويل الأزمة: تحولت الأزمة السورية من شأن داخلي إلى ملف تفاوضي بين القوى الكبرى على أرض الواقع السوري، وأصبح الشعب السوري ضحية لأجندات متقاطعة لا تعنى بمستقبله ولا بوحدته.
ثانيًا: قراءة استراتيجية .. هل كانت سوريا المستهدفة وحدها؟
أثبتت تطورات العقد الماضي أن ما جرى في سوريا، وقبلها في العراق وليبيا، ليس سوى فصول ضمن خطة أشمل لإعادة هندسة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح قوى كبرى.
• مخطط الفوضى الخلاقة الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عام 2005، لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل بات واقعًا تطبيقيًا تم تنفيذه بحرفية في بعض الدول العربية، حيث يبدأ السيناريو بإشعال الشارع، ثم تفكيك المؤسسات، ثم جر البلاد إلى صراعات لا تنتهي.
• الهدف الاستراتيجي: ليس تغيير أنظمة الحكم فحسب، بل إعادة تشكيل الهوية السياسية والجغرافية للدول، وتقسيمها إلى كيانات طائفية وعرقية ضعيفة، ومن ثم استنزافها اقتصاديًا وعسكريًا، وربطها بعجلة التبعية الدولية.
ثالثًا: مصر.. النموذج المستهدف التالي؟
منذ ثورة 30 يونيو 2013، استعادت مصر بوصلتها الوطنية، واستعادت مؤسساتها قوتها، مما أجهض سيناريو مشابه لما حدث في سوريا.
إلا أن الأعداء لم يتوقفوا، بل استبدلوا الأساليب:
• حروب الجيل الرابع والخامس: استهداف وعي المواطن، ضرب الروح المعنوية، بث الشائعات، والتشكيك في الإنجازات الوطنية والمؤسسة العسكرية.
• محاولات تأليب الشارع عبر منصات إلكترونية ومجموعات مأجورة تحاول إحداث شرخ بين الشعب ومؤسساته، تمامًا كما حدث في سوريا بداية الأزمة.
• دعم جماعات وأذرع إعلامية مشبوهة تعمل على مدار الساعة لضرب مؤسسات الدولة، عبر التضليل، وفبركة الوقائع، واستغلال أي أزمة داخلية.
رابعًا: الرسالة للمصريين: الوعي سلاح، والوحدة حماية
إن ما جرى في سوريا، يجب ألا يُقرأ فقط كدرس في السياسة، بل كتحذير قومي لكل الشعوب التي ما زالت تملك مفاتيح الاستقرار، وفي مقدمتها مصر.
• الوعي هو خط الدفاع الأول: لا بد أن يكون كل مواطن مصري على درجة عالية من الفهم لطبيعة الحروب الحديثة، وأن يميز بين النقد البناء وبين محاولات الهدم والتشكيك الممنهج.
• الجيش والشرطة والأجهزة السيادية هي الضمانة الحقيقية لحماية الدولة، وليس من المصلحة الوطنية التراخي في الدفاع عنها أو الانجراف خلف حملات التشويه الممنهجة.
• القيادة السياسية المصرية أثبتت خلال السنوات الماضية حكمة في إدارة الملفات المعقدة، وحافظت على وحدة الدولة وسط عواصف إقليمية متلاطمة، وهو ما يستوجب الالتفاف الوطني الكامل حولها.
خاتمة
لم تكن سوريا المستهدفة الوحيدة، ولن تكون الأخيرة إذا لم نتعظ.
مصر اليوم أمام تحديات كبيرة، لكنها تمتلك أدوات القوة الحقيقية: شعب واعٍ، جيش عقيدته وطنية، وقيادة تدير الأمور برؤية استراتيجية. وعلينا جميعًا أن نكون جزءًا من خط الدفاع الوطني، وأن نغلق الثغرات التي يُراد النفاذ منها.
فالحفاظ على أمن واستقرار مصر اليوم هو مسؤولية وطنية مقدسة لا تقبل التهاون.
اقرأ أيضا
داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : المسيرة العالمية إلى غزة .. حملة مُريبة تُهدد أمن مصر القومي