الأديبة السورية هيام سلوم تكتب : ثَعَالبٌ عَلى المَآذِن ..!
ظَلتْ صورة الثعلب تُرسم من خلال تصورنا للغابة وكيف يعتاش فيها على ضحاياه عبر الاحتيال لغرض تأمين لقمة عيشه ، لكن جغرافية الثعالب اتسعت حتى عمت خرائط منطقتنا العربية .
صراحة منذ طفولتي أخاف الثعلب ، رغم عدم مشاهدته إلا في برامج الوثائقيات وقصص الأطفال، والثعلب الذي خوفونا منه قنوع لا يريد أكثر من حصة يسدُّ بها رمقه للتواصل مع بقية ثعالب غابات الأمم المتحدة والشعوب المتخلفة .
ومع بشائر العولمة طغتْ ظاهرةُ ثعالب المؤسسات التي غدتْ تسرحُ وتمرحُ كيفما اتفق لها دون ضابط وسقف طموح أو خشية قانون ، حتى غدت تشكل خطراً حقيقياً على المجتمعات خصوصاً في الأزمات تحت عناوين طائفية واجتماعية لتتمدد وتتفرع في المحاكم والمدارس والجامعات ومختلف بقية المؤسسات ووظائفها ، فإذا ذهبت لمؤسسة ما لتوقيع وثيقة ما ستفتح محفظة النقود بكل خطوة ولن تتوقف إلا وتلعن الساعة التي أجبرتك على الخوض مع الثعالب .
مع سوداوية المشهد الثعلبي إلا أن هناك أشخاص ظلّوا على ما هم عليه من أنموذجية إنسانية لم تغيرهم الظروف ولم تضغطهم الماديات والأزمات ،ظلوا بالمنظر والجوهر يتحلون باللائق والمنزه من أمراض العصر المؤجندة .
في كتاب شفرات حيونسانية لمؤلفه الأديب العربي العراقي حسين الذكر جاء تحت عنوان ثعلبية الإنسان : ( سمعت صديقي يشتكي من فقد دجاجاته فقال : لقد أكل الثعلب بعض دجاجاتنا وأرعب الأطفال وأبكاهم صباحاً وما زالوا يئنون تحت ويل تلك الكارثة الحزينة بالنسبة إليهم .
فقلت له : يا أخي كيف تتهمون الثعلب ؟
لقد ولى زمن الثعالب الحيوانية وها هم قوم الاحتيال يدورون في الأرض وبقاعها يسخرون كل ما في المعمورة لتلك الغريزة والعقدة الثعلبية بلا هوادة ولا حياء وخشية ).
إنَّ الثعالب لم تقتصر على سرقة الدجاج بل طالت الاغتيال الفكري والإنساني والمادي والروحي حتى بات الجميع يعاني من الهوس الثعلبي الذي غزا المجتمعات وأغرقها باحتياله .
في حوار مع صديقةٍ قالت : إنها غيرت أربعة أطباء لتشخيص حالة مرضية بسيطة لكنهم أخفقوا في معالجتها لأنهم مشغولون بمتابعة جيوبها لا صحتها فضلاً عن إدخالها بدوامة لهاثٍ تمتد لتشمل التحاليل و المخبر والأشعة والرنين والصيدلية وأشياء أخرى . فيما سمعتُ أن الطبيب المعروف في مدينة جبلة الساحلية السورية الدكتور زهير علي ما زالت أجرة معاينته أقل من سعر قطعة شوكلاته ، فضلاً عن حسن استقباله للمرضى واستماع معاناتهم وتوفير حتى بعض الأدوية المجانية لهم .
وموقف آخر في دائرة حكومية تراشق كلامي استخدمه أحد الثعالب الوظيفية للضغط على موظفة عرفت بنزاهتها وأخلاقها وحسن أدائها برغم عطائها المعهود .
للأسف نرى الكثير ممن يتصرفون عكس ما يقولون بدءاً من بعض رجال السياسة إلى التجار ، وكذلك رجال الدين إذ يبطنون الكثير من سوء الظن خلاف ما يظهرون من زهد وتقوى وشعارات .
ترى ما هي الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى سلوك وحشي وهو مكرم سماوياً ؟
وماذا سيحدث للأرض لو ظلَّ مصيرها معلقاً بيد الإنسان ذاته ؟!
أسئلة لاتنتهي ولا من أجوبة شافية.
في الختام سأذكر ما أجاد به شاعر النيل أحمد شوقي إذ وصف الإنسان الثعلب قائلا :
برزَ الثعلبُ يوماً بشعارِ الواعظينا….
فمشى بالأرض يهدي ويسّبُّ الماكرينا .
إنّهم قالوا وخيرُ القول قول العارفينا…
مخطىءٌ من ظنَّ يوماً أنَّ للثعلب ِدينا .