الأديبة السورية هيام سلوم تكتب : دكتوراه من سوق الخردة !

في واحدة من المفارقات أن بعض تجار الكتب يحتال على القراء في بعض العناوين الجذابة التي يتضح بعد الشراء خواء مضمونها.
هذا جزء من واقع عربي تحول فيه العنوان إلى خدعة يسقط في شراكها المولعين بالعناوين كما أن أعدداً هائلة من الرجال والنساء يحملون عناوين رنانة دكتور وبرفسور و باحث واستراتيجي وخبير ، جلّهم يتساقطون بمجرد إخضاعهم لبعض الحوارات الجادة.
لطالما ظلت بعض الصيدليات قديماً عالقة أسماؤها بأذهاننا من قبيل .. البيروني والإيمان والزهراء.
كذا أسماء الفنادق فندق الشام وحلب الشهباء وتشرين ، ومحلات الحلويات الوسام و مهنا وأبو اللبن.
وصولاً إلى أسماء الفتيات ليلى ومريم وزينب.
اليوم تبدلت العناوين وباتت غريبة عن المجتمع : فندق ميلينيوم وفور سيزن .واسم كريستينا وألينا وسيرينا . حتى صعب على الجدات حفظ أسماء حفيداتهن ،استوقفتني جارتنا التي لديها حفيدة تدعى كارولينا لكنها تدللها ( بكعكة ) والمفردتان لا تتسقان مع بعضهما البعض ولا يدل أحدهما على الآخر بما يؤشر مدى الفارق بين دلالة الاسم وفيما تريد الجدة.
لقد أغرقنا المستثمرون بمصطلحات ليس لها رصيد في دواخلنا ولا مظاهرنا مما جعلنا غرباء في زمننا في بعض مشاهده التي نطالعها بحزن وربما بخيبة أحيانا فإن عناويننا القريبة من الوجدان الثقافي العام للأمة ينبغي أن تسود وتعمم لتذكرنا بقاماتنا ورموزنا وبقية أسلافنا الصالحة.
وفي سياق حديثنا لن ننسى إسقاطات الفضائيات وبرامج التواصل التي تعد جزء من جيوش العولمة لغزو بلداننا وتأثيرها على أجيالنا بصناعة جيل مهوس بمتابعة مسي وكريستيانو والمشاهير من فنانين ومطربين ، وقد يجبر أحدهم أمه لبيع قطعة ذهب لتشتري له حذاء مسي أو (تي شورت ) كريستيانو يقلدونهم في قصات الشعر واللباس.
ولن نغفل كيف احتل البودكاست كل العناوين وانضم تحت لوائه كل شيء لدرجة غدت أضواءه تفتك بالعقول التي باتت على شفا حفرة.
ولا يغيب عن طاولتنا ألوان الأطعمة الجاهزة المغرية لشبابنا غرسبي كنتاكي و برغر وكوكاكولا وفودكا.
أما عمليات التجميل فقد شملت اغلب شرائح المجتمع رجالاً ونساءً شباباً وشابات.
سابقا كانت هذه العمليات مخصصة للحروق والتشوهات والحوادث أما الآن فأصبخت موضة تشابهت فيها الوجوه والشفاه والخدود والحواجبز.
المؤسف أن هذه الثقافة جاءت من خلال الغزو الثقافي لذبح أجيالنا من الوريد إلى الوريد بلا حياء أو ردة فعل حكومية رسمية لوقف التدهور إذ على الجهات المسؤولة أن تسهم بتعزيز ثقافات وصناعة موديلات موسمية واجبة التدبر تنسجم مع الواقع وتتوالد من رحمه وتنسجم مع تطورات ومستجدات الموضة.
ختاما من طريف ما يذكر عن نباهة الوعي وسيادة العناوين وتأثيرها في العقل العربي : أن رجل شيعي دخل الى مدينة غريبة عليه أيام الاقتتال الطائفي وأراد ان يسأل عن اسم المدنية وخصوصيتها لكنه فضل أن يقرأ عناوين الشارع . فقرأ : صيدلية أبو حرب وجامع عمر بن الخطاب حلويات خالد بن الوليد وبقالية يزيد .. بعد قراءته للعناوين تراجع وانزوى بلا مقدمات وبلا رجعة بعد أن عرف مذهبية أهل المدينة فولى هاربا منها دون رجعة.