تكنولوجيافن و ثقافةمنوعات

الشارقة تقود طفرة لغوية بإطلاق معجم GPT .. وتدخل اللغة العربية عصر الذكاء الاصطناعي 

كتب – أحمد عنانى : 

في خطوة نوعية لتعزيز مكانة اللغة العربية، نظم مجمع اللغة العربية بالشارقة الحلقة النقاشية الإعلامية الخاصة تحت عنوان “المعجم التاريخي للغة العربية.. وثيقة الأمة الحضارية”. في مقر المجمع، جمعت نخبة من الإعلاميين والباحثين لمناقشة الإنجازات والتحديات المرتبطة بالمشروع الطموح، وكشفت عن إطلاق مشروع “معجم GPT”، الذي يمثل نقلة نوعية لإدخال اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي.

مشروع تاريخي يوثق الذاكرة الحضارية للأمة

في مستهل الجلسة، استعرض الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام للمجمع والمدير التنفيذي للمشروع، أهمية المعجم التاريخي للغة العربية، موضحًا أنه ليس مجرد سجل لغوي، بل هو مشروع حضاري يوثق تطور الكلمات العربية عبر العصور. وقال: “المعجم هو انعكاس للهوية الثقافية واللغوية للأمة، وهو بمثابة الجسر الذي يربط بين ماضينا وحاضرنا، ويضع اللغة العربية في مكانتها اللائقة على الساحة الثقافية العالمية.”

المعجم التاريخي يُعد موسوعة شاملة تؤرخ تاريخ الكلمات منذ أول ظهور لها وحتى العصر الحديث، متتبعًا استخداماتها في النصوص القديمة مثل النقوش الحجرية، مرورًا بالشعر الجاهلي، وصولًا إلى القرآن الكريم والحديث النبوي، ثم النصوص الأدبية الحديثة.

دور الشارقة الريادي .. رؤية حاكم الشارقة

أشاد الدكتور المستغانمي بالدور المحوري لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي قدم دعمًا غير محدود للمشروع. وأكد أن “رؤية الشيخ سلطان جعلت من الشارقة مركزًا عالميًا لدعم اللغة العربية، مما أتاح تحقيق هذا الإنجاز الحضاري الذي يعزز مكانة اللغة على مستوى العالم.”

وأوضح أن الدعم الذي قدمه سموه لم يقتصر على التمويل، بل شمل توفير بيئة عمل مثالية لفريق الباحثين، فضلًا عن إشرافه المباشر على المشروع لضمان تحقيق أهدافه بدقة واحترافية.

معجم تاريخي برؤية علمية دقيقة

تحدث الأستاذ بهاء الدين عادل دنديس، خبير الدراسات والبحوث في مجمع اللغة العربية بالشارقة، عن المنهجية العلمية التي يقوم عليها إعداد المعجم التاريخي. وأوضح أن المشروع يعتمد على توثيق كل كلمة عربية من حيث أول ظهور لها، مع تتبع تطورها الدلالي عبر العصور.

وقال دنديس: “المعجم التاريخي يتميز بمنهجيته العلمية الفريدة، حيث يتتبع الكلمة منذ ولادتها، مسلطًا الضوء على تطورها الدلالي والسياقات المختلفة التي استُخدمت فيها.”

وعلى سبيل المثال، كلمة “الألف” تحتوي على 72,000 مفردة موثقة، بينما يغطي حرف “الميم” 120 صفحة، مما يعكس ثراء اللغة العربية وتنوعها.

معجم GPT .. نقلة نوعية لخدمة اللغة العربية

في إطار مواكبة التطور التكنولوجي، أعلن الدكتور المستغانمي عن إطلاق مشروع “معجم GPT”، الذي يمثل تحولًا ثوريًا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير اللغة العربية.

وأوضح المستغانمي أن معجم GPT سيوفر تجربة بحث تفاعلية فريدة، قائلاً: “هذا المشروع يهدف إلى جعل اللغة العربية أكثر حضورًا في العالم الرقمي، من خلال تسهيل دراسة اللغة وجعلها في متناول الجميع.”

وكشف المستغانمي أن المشروع في مراحله النهائية، ومن المتوقع إطلاقه رسميًا خلال العام القادم 2025.

يتميز معجم GPT بقدرات تفاعلية مبتكرة تسهم في تسهيل البحث اللغوي وتقديم تجربة استخدام متقدمة. يتيح النظام للمستخدمين طرح أسئلة حول الكلمات، سواء لمعرفة معانيها أو أصولها، ويستجيب فورًا استنادًا إلى قاعدة بيانات المعجم التاريخي. بالإضافة إلى ذلك، يوفر المعجم إمكانية تتبع تطور الكلمات عبر العصور، من خلال عرض شواهد نصية توضح كيفية استخدامها في سياقات زمنية مختلفة. كما يتيح تحليل السياق اللغوي للكلمات، مما يمنح المستخدم فهمًا أعمق لدلالاتها. ومن أبرز ميزاته قدرته على التعلم المستمر من تفاعلات المستخدمين، مما يضمن تحسين جودة الإجابات وتقديم معلومات أكثر دقة وثراءً مع مرور الوقت.

النسخة الإلكترونية .. خطوة نحو العالمية

أطلق مجمع اللغة العربية بالشارقة نسخة إلكترونية من المعجم التاريخي، متاحة عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، ما يتيح وصولًا سهلاً وسريعًا للمحتوى من أي مكان وفي أي وقت.

وأشار المستغانمي إلى أن “النسخة الرقمية ليست مجرد أداة للوصول إلى المعلومات، بل هي منصة تفاعلية تساعد على استكشاف اللغة العربية بطريقة مبتكرة.”

رحلة طويلة نحو التميز

لم يكن تحقيق هذا الإنجاز خاليًا من التحديات. وأوضح الدكتور المستغانمي أن العمل على المعجم تطلب تعاونًا مكثفًا بين المجامع اللغوية في مختلف الدول العربية، إضافة إلى التنسيق مع مؤسسات دولية للحصول على النصوص القديمة والمخطوطات.

وأضاف: “أحد أكبر التحديات كان جمع المصادر والتحقق من صحتها، لكن بفضل الجهود المشتركة، تمكنا من تقديم محتوى موثوق وموحد، يُعد مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والمهتمين باللغة العربية.”

المعجم التاريخي في المناهج التعليمية

أوضح الدكتور المستغانمي أن المعجم التاريخي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير المناهج التعليمية، حيث يُمكن استخدامه كأداة فعالة لتعزيز مهارات اللغة لدى الطلاب. وقال: “المعجم ليس مجرد مرجع، بل هو وسيلة تعليمية تساعد على تقديم اللغة بطريقة شاملة وعميقة.”

أكد المشاركون في الجلسة أن المعجم يسهم في تعزيز الهوية الثقافية واللغوية للأمة العربية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم، مثل العولمة وانتشار اللغات الأجنبية.

وقال المستغانمي: “المعجم يمثل حصنًا منيعًا يحمي اللغة من الاندثار، ويضمن بقاءها للأجيال القادمة.”

مشروع حضاري للأجيال القادمة

اختتمت الجلسة بدعوة مفتوحة من الدكتور المستغانمي للمؤسسات الثقافية والأكاديمية لدعم المشروع والاستفادة من محتواه. وقال: “المعجم التاريخي ليس مجرد كتاب، بل هو مشروع حضاري يعكس التزامنا بالحفاظ على لغتنا وتراثنا.”

بهذا المشروع، تؤكد الشارقة مرة أخرى ريادتها في دعم الثقافة العربية، وتحقيق إنجاز حضاري يعزز مكانة اللغة العربية عالميًا.

يعد مجمع اللغة العربية بالشارقة مؤسسة حكومية أكاديمية تُعنى بتعزيز مكانة اللغة العربية والحفاظ عليها، وهو تابع لإمارة الشارقة. يكرس المجمع جهوده لدعم المجامع اللغوية والعلمية في العالمين العربي والإسلامي، ويعمل كجسر للتواصل الثقافي واللغوي بين الباحثين في مختلف أنحاء العالم.

تتمثل رؤية المجمع في أن يكون منارة أكاديمية لغوية تسهم في تمكين اللغة العربية، وتوثيق التعاون العلمي والمعرفي بين المجامع اللغوية والعلمية. ويحرص المجمع على تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الأنشطة والمشاريع الرائدة.

يسعى المجمع إلى دعم الأبحاث والمشاريع العلمية المتصلة باللغة العربية، مع التركيز على تسهيل تعلمها وتحفيز الأجيال الناشئة على الإبداع في مختلف المجالات الأدبية والفنية. ومن أبرز مهامه الإشراف على المعجم التاريخي للغة العربية، الذي يُعد أحد أهم المشاريع الثقافية واللغوية، إلى جانب تطوير قواميس ومعاجم عصرية تلبي احتياجات المتحدثين باللغة الفصحى في العصر الحديث.

يعمل المجمع على تعزيز التعاون مع المجامع اللغوية والعلمية في العالمين العربي والإسلامي، بهدف تحقيق مخرجات معرفية تخدم اللغة العربية. كما يسعى إلى مد جسور التواصل مع الشخصيات البارزة في مجالات الفكر والثقافة، ويولي اهتمامًا خاصًا بإدماج اللغة العربية في البحث التكنولوجي، مستفيدًا من التطورات الرقمية لتعزيز استخدامها ونشرها.

بالإضافة إلى ذلك، يركز المجمع على دعم الدراسات التي تسلط الضوء على تاريخ الأمة العربية وحضارتها وعلاقاتها بالحضارات الأخرى. كما يهتم بتحقيق المخطوطات التراثية واللغوية، ويقدم جوائز دولية تقديرًا للإنجازات البارزة في خدمة اللغة العربية، بهدف تشجيع الإبداع والابتكار في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى