يوسف عبداللطيف يكتب : الطبالون في النهاية يُداسون بالأقدام .. الحقيقة المُهينة
في عالم من النفاق والزيف، لا شيء يثير الاشمئزاز أكثر من أولئك الذين يختارون طوعاً دور “الطبال”. قد يكون التطبيل وسيلة لتحقيق بعض المكاسب المؤقتة، لكن في النهاية، يصبحون عبيداً لمشهدٍ بائس حيث كل ما يعطونه من صوت وضجيج هو مجرد قشرة فارغة بلا مضمون.
الرسالة واضحة وصارخة : الطبال مهما حاول إضفاء قيمة لما يقوم به، فإنه سيظل في النهاية مجرد ظل باهت لشخصية تابعة، مطيعة، وحتى عندما يظن أنه يمتلك زمام الأمور، فإن الواقع ينقلب عليه بصفعة مدوية كل ما صنعه .. وكل من طبل لهم، في النهاية سيتحولون ضده، وسينتهي به المطاف “بالجزمة” دون أي شرف أو كرامة.
في هذا المقال، سأتحدث بصراحة مطلقة دون مجاملات عن الطبالين الذين يحيطون بنا في كل مكان. نحن نعيش في عالم مليء بالعبيد الذين يبيعون مبادئهم وقيمهم مقابل فتات زائل من السلطة أو الشهرة أو المال.. هؤلاء الطبالين لا يستحقون إلا الاحتقار لأنهم، في الواقع، أدوات بيد الآخرين، يعتقدون أنهم يصنعون الفرق أو أنهم مهمون، لكن في الحقيقة هم مجرد أدوات تستخدم ثم تُلقى جانباً عندما تنتهي مهمتهم. في النهاية، يتعرضون للإهانة، وهم من أوصلوا أنفسهم إلى هذا الوضع، لأنهم اختاروا طريق الخنوع والتذلل تحت مسمى التطبيل.
اقرأ أيضا : يوسف عبداللطيف يكتب : خمسون شدة تكشف حقيقة الصداقة الحقيقية
لنأخذ الفيلم الشهير “الراقصة والطبال” كمثال صارخ على هذه الظاهرة. القصة تُظهر لنا بشكل جلي أن التطبيل لا يصنع قيمة حقيقية. “عبده” الطبال استطاع أن يصنع من “الراقصة” نجمة، فقط لأنه اختار أن يطبل لها. نعم، لقد ساهم في صعودها، لكنه اعتقد بشكل خاطئ أن هذا يمنحه هو الآخر قيمة. هنا يأتي الدرس الأول: أن تكون مروجاً للزيف لا يعني أنك أصبحت شيئاً. فمهما اجتهدت في صنع قشرة براقة لغيرك، تظل أنت في الظل، مجرد خادم للآخرين، ولا يمكن أن ترتقي لمستوى من تصنع لهم التطبيل.
لكن المهزلة الحقيقية لا تتوقف هنا. الطبالين في مجتمعنا ليسوا مجرد شخصيات تافهة تقوم بدور هامشي .. هم جزء لا يتجزأ من نظام أكبر، نظام يستفيد منهم ويشجعهم على المزيد من التطبيل، لأنهم يؤدون وظيفة حيوية : هم يحافظون على الزيف قائمًا، يبقون الكذب والرياء حياً، ويجعلون الأمور تبدو وكأنها تحت السيطرة. ولكن في النهاية، عندما تنكشف اللعبة، يتم التخلص منهم كأدوات بالية .. ولعل أشد لحظات السخرية والمهانة هي عندما يجد الطبال نفسه مرفوضاً من قبل أولئك الذين طبل لهم، وتنهار كل أوهامه تحت وطأة الحذاء الذي يسحقه بلا رحمة.
ما أشد الواقع حين يصفعهم. هؤلاء الطبالين، مهما بالغوا في تصديق أهمية دورهم، سيجدون أنفسهم في النهاية وحيدين، مكشوفين أمام الحقيقة العارية هم لا شيء. لا قيمة لهم، لا كرامة ولا احترام. كل ما فعلوه من أجل التملق والخنوع سيعود عليهم باللعنات. والأسوأ من ذلك، أن الشخصيات التي طبلوا لها هي أول من يرفسهم في النهاية. تماماً كما في قصة “الراقصة والطبال”، حيث كانت الراقصة نفسها هي أول من يلفظ عبده الطبال عندما لم يعد هناك حاجة له. إنها سنة الحياة التي لا تتغير: الطبال يظل طبالاً، لا يستطيع أن يتجاوز دوره ولا أن يصبح شيئاً له قيمة.
الطبالون في كل مكان، من الصحافة إلى السياسة، من الإعلام إلى الاقتصاد، هم رموز للخيانة المتخفية تحت قناع الولاء. هؤلاء لا يملكون القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، لأنهم لا يهتمون أصلاً بهذه المفاهيم. هم فقط يسعون إلى إرضاء من يملكون السلطة أو المال، ولا يهتمون بأي شيء آخر .. لكن التاريخ لا يرحم، والمجتمع لا ينسى. سيأتي يوم يسقط فيه القناع، وحينها لن يجد هؤلاء الطبالين مكاناً يختبئون فيه. سيتعرضون للإذلال أمام الجميع، ولن يذكرهم أحد إلا بكلمات من الاحتقار والازدراء.
ربما يعتقد بعضهم أنهم أذكياء بما يكفي للتلاعب بالآخرين، وأنهم قادرون على الاستمرار في لعبتهم القذرة إلى ما لا نهاية. لكن الحياة دائماً لها الكلمة الأخيرة. في نهاية المطاف، ستتعرض كل تلك الأكاذيب والتطبيل إلى اختبار الواقع. وعندما يأتي ذلك الاختبار، سيفشلون، وسيجدون أنفسهم مكشوفين بلا غطاء. فمهما حاول الطبال إضفاء شرعية على ما يقوم به، أو مهما ادعى أن دوره أساسي، فإنه في النهاية يظل مجرد طبال، شخص تابع، لا يملك القدرة على القيادة أو اتخاذ القرارات الحاسمة. هو فقط هناك ليتبع، ليطبل، ولينتهي في النهاية تحت أقدام من خدمهم.
إذن، الرسالة إلى كل الطبالين في هذا العالم بسيطة ومباشرة : استيقظوا قبل فوات الأوان. العالم لا يحترم من يبيعون كرامتهم مقابل الفتات. في النهاية، ستُداسون تحت أقدام من اعتقدتم أنكم تخدمونهم. وسيكون مصيركم كحال كل الطبالين عبر التاريخ: النسيان، والإذلال، والتعرض “بالجزمة” في النهاية.