يوسف عبداللطيف يكتب: خمسون شدة تكشف حقيقة الصداقة الحقيقية
الصداقة ليست كلمات عابرة أو لقاءات عادية تمضي مع الزمن، بل هي نسيج من الأزمات والتحديات، نسج عبر سنوات طويلة من الشدة والشدائد. صديقي الذي أعرفه منذ خمسين شدة وعشرين أزمة، ليس مجرد إنسان مرّ في حياتي، بل هو مرآة عاكسة لتجربة معقدة ومتشابكة من المشاعر والقرارات والمواقف التي تترك بصماتها على الروح. لم تكن صداقتنا مثالية، بل هي بالأحرى مريرة أحيانًا، مليئة بالخلافات والاختلافات، لكنها بقيت قائمة وقوية رغم كل ذلك. هنا تكمن حقيقة الصداقة، في قدرتها على تحمل الأزمات، والتعايش مع الأوقات العصيبة، وتحويل الشدة إلى دروس لا تُنسى.
الصداقة لا تقاس بعدد السنوات، ولا بتلك اللحظات الجميلة التي نحب أن نتحدث عنها، بل تقاس بالشدة والأزمات التي خضناها معًا. هي تلك الأوقات التي يشعر فيها الإنسان أنه وحيد في هذا العالم، ويكتشف أن هناك شخصًا واحدًا فقط يقف بجانبه. هو ذلك الشخص الذي يظهر حين تختفي كل الوجوه، حين تخونك الظروف ويتخلى عنك الجميع، في تلك اللحظة بالذات تعرف معنى الصديق الحقيقي. هو الذي لا ينتظر منك شيئًا، ولا يبحث عن مكاسب شخصية، بل يقف معك لأن الشدة ربطت بينكما بحبل غير مرئي، حبل يصمد أمام عواصف الحياة.
صديقي الذي عاش معي خمسين شدة وعشرين أزمة ليس مجرد شخص أرافقه في الأيام السعيدة أو أشارك معه الضحكات والمزاح. إنه الشخص الذي أحتفظ به في قلبي لأنه كان شاهدًا على أوقات ضعفي وانهياري، ولأنه كان حاضرًا في لحظات العزلة والكآبة. هو الذي لم يهرب عندما ضاقت بي السبل، ولم يتخلّ عني عندما شعرت أن العالم كله ينقلب ضدي. هذه الشدة التي نتحدث عنها هنا ليست مجرد مواقف عصيبة، بل هي مواقف تقيس عمق الإنسانية، وتُظهر المعادن الحقيقية للأشخاص.
في زمننا هذا، الكثير يتحدثون عن الصداقة وكأنها مجرد عقد اجتماعي يمكن فسخه متى شاء الطرفان، وكأنها مجرد وسيلة لتلبية احتياجات مؤقتة. لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. الصداقة الحقيقية ليست مؤقتة، ولا تتغير مع مرور الأيام. إنها ميثاق غير مكتوب بين اثنين، ميثاق لا يفهمه إلا من عاشه. لا تقاس الصداقة بالضحكات والمواقف السطحية التي تظهر للعيان، بل تقاس بقدرتك على الصمود مع هذا الشخص في أوقات لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. هنا فقط تكتشف المعنى الحقيقي لما يسمى “صديق العمر”.
البعض يرى أن الصداقة قائمة على المصلحة المتبادلة أو الدعم المادي أو المعنوي في أوقات الحاجة. ولكن ما يجهلونه هو أن الصديق الحقيقي لا ينظر إليك كمشروع للاستفادة أو كوسيلة للوصول إلى غاية معينة. الصداقة تتجاوز كل ذلك. هي تلك اللحظات التي تكون فيها في أضعف حالاتك، ومع ذلك لا تشعر بالخجل من أن ترى هذا الصديق يراقبك. في تلك الأزمات التي تمر بها معًا، يتكوّن رابط غير مرئي، أقوى من أي علاقة أخرى قد تمر بها في حياتك.
لقد تعلمت من هذا الصديق أن الحياة ليست عادلة دائمًا، وأن الشدة لا تفرق بين الصديق وعدو، لكن الصداقة هي ما يمكن أن تنقذك من هذا الظلم. تلك الأزمات التي تمر بها ليست مجرد تحديات عابرة، بل هي اختبارات لمدى قوة هذه العلاقة. وعندما تصمد هذه العلاقة أمام اختبار الزمن والشدة، عندها فقط تستطيع أن تقول بثقة: “هذا صديقي”.
في النهاية، الصداقة ليست مجرد كلمات جميلة نرددها في الأوقات المناسبة، ولا هي علاقات سطحية نقيمها مع الآخرين لتغطية شعورنا بالوحدة. الصداقة هي الحبل السري الذي يربط بين الأرواح في أحلك الأوقات. هي الشدة التي نقيس بها علاقتنا، هي الأزمة التي تعرّي الشخصيات وتُظهر معادنها الحقيقية.
نعم، هذا صديقي. أعرفه منذ خمسين شدة وعشرين أزمة.