في خطوة جريئة تهدف إلى مواجهة التحديات المجتمعية المتجذرة، أطلق قطاع الإعلام الداخلي بالهيئة العامة للاستعلامات حملة قوية تحت شعار “ايد في ايد هننجح اكيد”، بهدف إعادة بناء وعي المجتمع المصري وتحريره من القيود التي فرضتها الموروثات السلبية التي تدمر حقوق المرأة وتعرقل تقدم المجتمع ككل. برعاية الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلي وبتوجيهات الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، نظم مركز إعلام منفلوط لقاءً حوارياً تحت عنوان “الموروثات المجتمعية الخاطئة وأثرها على حقوق المرأة”، عقد بمقر جمعية تنمية المجتمع ببني عدي، ليكون صرخة مدوية ضد الظلم المجتمعي الذي يقع على النساء.
الموروثات المجتمعية: حين تُغلف الجريمة بالدين والعادات
افتتحت اللقاء منى أحمد قطب، مديرة مركز إعلام منفلوط، مرحبة بالحضور ومؤكدة على أهمية الحملة الإعلامية التي أطلقها القطاع. وشرحت بوضوح أن الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو محاربة الموروثات التي أضرت بحقوق المرأة لعقود طويلة. مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان” تسعى إلى توعية المجتمع بجميع فئاته بمخاطر هذه الموروثات، سواء على المستوى الصحي أو التعليمي أو حتى الديني.
زواج القاصرات: جريمة مغلفة بالدين
من أبرز القضايا التي طرحت في هذا اللقاء كانت قضية الزواج المبكر للفتيات، والتي تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفولة. الشيخ عبد العزيز عبد العظيم محمد، رئيس قسم الإرشاد الديني وشؤون القرآن بإدارة أوقاف منفلوط، شدد على أن زواج الفتيات قبل سن الـ 18 ليس له أي سند شرعي أو ديني. بل على العكس، هذا النوع من الزواج يحرم الفتاة من طفولتها ويجعلها تتحمل مسؤوليات تفوق طاقتها، مما يعرضها لخطر الطلاق المبكر أو وفاة الزوج، ويتركها دون أي حقوق قانونية أو اجتماعية. هذه العادات ليست فقط ظالمة، بل هي أيضاً تجر المرأة إلى مسار مليء بالمآسي والأزمات.
ختان الإناث: جريمة تتستر خلف العادات
قضية أخرى لا تقل خطورة هي ختان الإناث، التي ما زالت تتفشى في المجتمعات الريفية رغم الحظر القانوني والديني الواضح. في كلمتها، أوضحت أمل عمران، مديرة التثقيف الصحي والإعلام بالإدارة الصحية بمنفلوط، أن هذه العادة البربرية ليست من الإسلام ولا من أي دين، بل هي بقايا ثقافات بالية تضر بالصحة النفسية والجسدية للفتيات. وأضافت أن ختان الإناث يترك ندوباً نفسية لا تندمل أبداً، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل النزيف أو الوفاة، فضلاً عن الصدمات النفسية التي تعاني منها الفتاة طوال حياتها.
القانون يقف بالمرصاد: عقوبات قاسية تنتظر المتورطين
المثير للقلق أن بعض المجتمعات ما زالت تتجاهل التحذيرات القانونية الصارمة التي تجرّم بوضوح كل من يشارك في زواج القاصرات أو عمليات ختان الإناث. وقد شددت عمران على أن القانون يفرض عقوبات صارمة، تصل إلى السجن وغرامات مالية قد تصل إلى 10,000 جنيه على كل من يساهم في هذه الجرائم البشعة. هذه الممارسات لم تعد مقبولة بأي شكل، وأصبح من الضروري الإبلاغ عنها فوراً. وقد دعت النساء إلى التعاون مع الأجهزة المعنية والإبلاغ عن أي حالات زواج مبكر أو ختان من خلال الخط الساخن لنجدة الطفل، لحماية بناتهن من هذه الجرائم التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.
حرمان المرأة من الميراث: جريمة جديدة في ثوب التقاليد
أحد أكثر المواضيع شيوعاً في اللقاء كان قضية حرمان المرأة من حقها في الميراث، وهو أمر لا يقل خطورة عن باقي الموروثات السلبية. الشيخ عبد العزيز أوضح أن الدين الإسلامي أعطى المرأة حقوقاً واضحة ومحددة في الميراث، وأن حرمانها من هذا الحق يعتبر انتهاكاً ليس فقط لحقوقها الإنسانية، بل هو أيضاً تعدٍّ على أحكام الشريعة. وشدد على ضرورة لجوء النساء إلى القضاء لاستعادة حقوقهن في حال تعرضن للظلم، محذراً من أن الموروثات التي تحرم المرأة من حقوقها ليست سوى وسيلة لاستمرار الهيمنة الذكورية وتهميش دور المرأة في المجتمع.
العنف ضد المرأة: إرث مجتمعي يجب التخلص منه
ومن بين القضايا التي تم تناولها أيضاً، العنف ضد المرأة، الذي بات ينهش جسد المجتمع المصري. العنف الجسدي والنفسي ضد النساء هو أحد أخطر الممارسات التي تهدد استقرار الأسرة وتعرقل تقدم المجتمع. الشيخ عبد العزيز أكد أن الإسلام يدعو إلى معاملة المرأة برفق ولين، وأن أي شكل من أشكال العنف ضدها مرفوض تماماً دينياً وأخلاقياً. وأضاف أن الأحاديث النبوية توضح بجلاء أهمية حسن معاملة المرأة والرفق بها، مما يجعل العنف ضدها ليس فقط جريمة أخلاقية، بل خيانة لأخلاقيات المجتمع وقيمه.
نحو مجتمع مستنير: التغيير يبدأ بالتوعية
اللقاء كان بمثابة جرس إنذار يدعو الجميع إلى ضرورة التوعية المستمرة لمواجهة هذه الموروثات السلبية. أمل عمران دعت جميع أفراد المجتمع إلى التعاون وتبادل المعلومات مع الجهات المختصة، مشددة على أن التغيير لن يتحقق إلا إذا تضافرت جهود الجميع، بدءاً من الأفراد مروراً بالمؤسسات التعليمية والدينية، وصولاً إلى المؤسسات القانونية.
في ختام اللقاء، أتيحت الفرصة للجمهور لطرح الأسئلة والاستفسارات، والتي تمحورت حول كيفية التصدي لتلك الموروثات وسبل الحماية القانونية التي يمكن اتخاذها لحماية المرأة وحقوقها. وقد أجاب المحاضرون بكل وضوح وصراحة، مؤكدين أن الطريق طويل، لكن البداية تبدأ من هذه الحوارات التوعوية.
اللقاء سلط الضوء على قضايا كارثية تواجه المرأة المصرية في مجتمعنا، وخرج برسالة واضحة مفادها أن الموروثات السلبية التي تضر بالمرأة لا مكان لها في مصر الحديثة. إذا أردنا مجتمعاً صحياً وقوياً، يجب علينا مواجهة تلك العادات التي تحط من قدر المرأة وتدمر حياتها.