صبري حافظ يكتب: الطوفان .. والحسابات الخاطئة
لو عادت عقارب الساعة للوراء لمدة عام، ربما كان لقادة حماس رؤية مختلفة عمّا قبل السابع من أكتوبر 2023 وإعادة النظر فى هجوم «الطوفان الأقصى» الذى شلّ إسرائيل لعدة ساعات بين الصدمة والذهول والنوم فى العسل.!
أخطاء حماس فى الهجوم -الذى تم التخطيط له قبل أحداثه بفترة ليست بالقصيرة، فى اختيار التوقيت غير المناسب، ولو هناك دراسة جيدة وبُعد نظر وقراءة عقلية وتفكير الإسرائيليين عمومًا والحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو كان سيتم إرجاء الهجوم واختيار توقيت آخر.
وإذا كانت حماس وباقى الفصائل الفلسطينية أخطأت فى التقدير وجاءت حساباتها غير منطقية وتبعاتها السلبية أكثر من إيجابياتها، فحزب الله انجرف لنفس المسار فى قراره والالتحام ومناصرة غزة لغياب التخطيط وتقدير الفجوة «التقنية والمخابراتية» بينه والاحتلال.
وإذا كانت تصريحات خالد مشعل، رئيس «حماس» بالخارج، محاولة للتبرير وتضميد الجراح وتجميل التشوهات فى ذكرى مرور عام على الطوفان والذى – على حد قوله– أعاد الاحتلال إلى نقطة الصفر، ودمر صورة إسرائيل أمام العالم بعد فشلها فى تحقيق أهدافها على مدار عام.
قد يكون صحيحا من وجهة نظره، ولكن خسائر كل جبهات محور المقاومة أكثر من مكاسبها، خاصة حماس وحزب الله، ويحتاجان 30 عاما على الأقل للعودة لقوتهما التى كانت، إذا سمحت إسرائيل بذلك ولم تقتلع الآلة العسكرية المتوحشة لكل حماسى فى غزة وكل عنصر من عناصر حزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت، أو لم تفكر فى خلق منطقة عازلة جنوب الضاحية أو شمال غزة وحشر السكان فى مساحة 10% فقط من مساحة غزة التى تقدر بـ360كم، وكيف سيعيش 2 مليون نسمة فى هذه المساحة والهدف واضح تهجير أهل غزة اختياريا..! ناهيك عن عملية التهجير الحقيقى فى الضفة والتغيير الديموجرافى بعد السابع من أكتوبر بدعوات لها صدى داخل إسرائيل وخارجها والتعرض لحرب وجودية، والتى باتت حُمّى تُصيب الكل بما فيهم المعتدلون.
وإذا كان العتاد يمكن تعويضه، فالعقلية وقادة الخبرة يصعب تعويضها خاصة المعروفين بالكاريزما وطريقة التفكير ومواجهة الأزمات، وضياعهم رصيد يخصم من القوة والهيبة.
والسؤال: هل كانت المقاومة تنتظر سنوات أخرى حتى تقاوم؟
توقيت المغامرة لم يكن موفقا فى ظل وجود حكومة إسرائيلية تضم فى أغلبها عناصر متطرفة قبل الانتخابات بعامين، وضبابية المعرفة المخابراتية وفجوة التقنية بين سلاح الذكاء الاصطناعى وآخر «صواريخ» لا تختلف كثيرًا عن 2006، وإذا كان 35 أو 40% من الإسرائيليين يتعاطفون مع إقامة دولتين انقلبت المعادلة وبات 60% يفضلون استمرار الحرب على أعداء إسرائيل عطفًا على تلويح متطرفى الحكومة بقيادة نتنياهو بالحرب الوجودية.
وأفرز الطوفان تطرف نتنياهو «المعتدل» فى جولات سابقة من الحروب مع حماس وحزب الله، بفضل الثنائى المتطرف بن غفير وسموتريتش إذ يدفعانه دفعا للعدوانية من أجل بقائه بمنصبه وبقاء الدولة العبرية.!
وبينما كان نتنياهو يغرق والقضايا تحاصره وتقربه من السجن جاء الطوفان منقذا له ورفعه لأعلى نقطة ممسكًا بالفرصة للإبقاء على كرسيه وابتعاده عن الوقوف خلف القضبان، وهو ما لم يفكر فيه الساعون لمحو الصهاينة!