عقدت اللجنة العليا للمصالحات فرع أسيوط اجتماعها الأول في قاعة المصالحات بمعهد فتيات حسين رشدي. الاجتماع، في إطار تنفيذ المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، والذي حظي بحضور واسع من القيادات المحلية ورؤساء اللجان المعنية.
وشهد الاجتماع تناولًا مكثفًا للتعريف باللجنة وأدوارها المختلفة في المحافظة، مع عرض تفصيلي لإنجازات اللجنة حتى الآن، بجانب استعراض المراكز التابعة لها وتحديد التحديات التي تواجهها والمقترحات المقدمة لتعزيز فعاليتها.
رؤية استراتيجية لتفعيل المصالحات: هيكل اللجنة وأهدافها
بدأ الاجتماع بتوضيح هيكل اللجنة العليا للمصالحات، والتي تأتي تحت إشراف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور عباس شومان، رئيس اللجنة العليا للمصالحات. اللجنة تسعى إلى تقديم حلول جذرية للنزاعات التي تهدد استقرار المجتمع، خصوصًا في محافظة أسيوط التي تعاني من خلافات قبلية ومجتمعية متجذرة.
الدكتور علي عبدالحافظ حسن، رئيس اللجنة العليا للمصالحات فرع أسيوط، تحدث في كلمته الافتتاحية عن التحديات الكبيرة التي تواجه اللجنة، مشيرًا إلى أهمية التنسيق الدائم بين مختلف الأطراف المعنية لتحقيق أهداف المبادرة الرئاسية. كما أوضح أن اللجنة ليست مجرد آلية لحل الخلافات فحسب، بل هي جزء أساسي من خطة أشمل تهدف إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي على أسس من التسامح والاحترام المتبادل.
الشيخ شعبان مرعي عمر: المصالحات ليست حلولاً مؤقتة بل نهج لبناء المستقبل
خلال كلمته في الاجتماع، شدد الشيخ شعبان مرعي عمر، مدير عام معهد فؤاد الأول، على أن المصالحات لا تقتصر على تسوية النزاعات الآنية، بل تمثل حجر الزاوية في إعادة بناء المجتمع على أسس متينة من التسامح والاحترام المتبادل. وأكد قائلاً: “المصالحات ليست مجرد إخماد للحرائق، بل هي عملية شاملة لإعادة تشكيل الوعي الجماعي وغرس قيم السلام والتفاهم بين الناس”. وأضاف أن المؤسسات التعليمية، بما فيها المعاهد، تلعب دورًا حيويًا في هذا المسار، حيث تساهم في تربية أجيال جديدة تدرك أهمية الحوار وتعيش في وئام مع الآخرين، مما يرسخ ثقافة الاستقرار على المدى الطويل.
استعراض إنجازات اللجنة: توثيق بصري يعزز الثقة
أحد أبرز محاور الاجتماع كان عرض فيلم تسجيلي وثّق أبرز إنجازات اللجنة العليا للمصالحات منذ تأسيسها. الفيلم تناول بالتفصيل كيف تمكنت اللجنة من إنهاء عدد من النزاعات الحادة، التي كانت تهدد بتصاعد التوترات في المحافظة. وعبر مشاهد حية ولقطات واقعية، أظهر الفيلم الجهود المضنية التي بذلتها اللجنة لحل تلك الخلافات بطرق سلمية وإعادة الاستقرار للمجتمعات المحلية.
هذا العرض لم يكن مجرد تذكير بما تم إنجازه، بل كان دعوة لتحفيز الأعضاء على مواصلة العمل بإصرار أكبر، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجههم.
مراكز المصالحات: قلب العمل الميداني
في خطوة لتعزيز الوعي بأهمية الدور الذي تلعبه مراكز المصالحات في المجتمع، تم استعراض أداء تلك المراكز المنتشرة في مختلف مراكز محافظة أسيوط. هذه المراكز تشكل العمود الفقري لجهود اللجنة العليا، حيث تلعب دورًا حاسمًا في التدخل المباشر لحل النزاعات قبل تصاعدها إلى مستويات خطيرة.
الشيخ مرتجي عبدالرؤوف شعبان، مدير عام الوعظ، أكد في كلمته على ضرورة دعم هذه المراكز بالموارد البشرية والمادية اللازمة لضمان نجاح المبادرة. كما شدد على أن توسيع نطاق عمل تلك المراكز هو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المتنامية في المحافظة، مشيرًا إلى أن هذه المراكز ليست مجرد مكاتب إدارية، بل هي خطوط دفاع أولى عن السلم الاجتماعي.
تحديات ملحة تحتاج إلى حلول جذرية
على الرغم من الإنجازات التي تم استعراضها، إلا أن الاجتماع لم يغفل التحديات الضخمة التي تعترض طريق اللجنة في أداء مهامها. فقد أشار الدكتور علي عبدالحافظ حسن إلى أن النزاعات القبلية والتوترات المجتمعية المتزايدة في أسيوط تستدعي تدخلاً فورياً وفعّالاً. وأكد على أن اللجنة بحاجة إلى دعم مستمر من كل الأطراف لضمان قدرتها على تنفيذ مهامها بفعالية.
التحديات التي تواجه اللجنة ليست فقط في طبيعة النزاعات، بل تشمل أيضًا ضعف الوعي بأهمية المصالحات لدى بعض فئات المجتمع. وأوضح الشيخ سيد عبدالعزيز، رئيس بيت العائلة المصرية، أن هناك حاجة ماسة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية السلم والمصالحة كحلول بديلة عن العنف والخلافات.
مقترحات لتعزيز العمل: خطط وتوصيات لتحسين الأداء
تخلل الاجتماع العديد من المقترحات التي تهدف إلى تعزيز فعالية اللجنة العليا للمصالحات في أسيوط. كمال الدين جلال، مدير إدارة الجودة، اقترح تطوير آليات لتقييم الأداء الدوري لمراكز المصالحات، بهدف تحديد مكامن القوة والضعف والعمل على تحسينها. هذا التقييم سيكون خطوة أساسية لضمان أن عمل اللجنة يسير في المسار الصحيح.
من جانبه، قدم الشيخ إبراهيم محمد جمعة، مدير عام التوجيه بالوعظ والإرشاد، اقتراحًا بإنشاء دورات تدريبية مكثفة لأعضاء اللجان بالمراكز المختلفة، مع التركيز على مهارات التفاوض وإدارة النزاعات. وأكد أن تدريب الأعضاء هو مفتاح لضمان جودة العمل الميداني وسرعة التدخل في حل النزاعات.
دور قيادات المحافظة: ضرورة تكامل الجهود
تجلت أهمية تكامل الجهود بين مختلف الأطراف خلال الاجتماع، حيث شهد حضور قيادات محلية من مختلف الفئات، بما في ذلك عمداء الجامعات وشيوخ القبائل ورؤساء المراكز. وأجمع الحضور على أن النجاح في تحقيق أهداف المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان” يتطلب توحيد الجهود بين جميع الجهات المعنية.
الدكتور وحيد محمد، المنسق العام للجنة، أشار إلى أن مشاركة القيادات المحلية ضرورية لتأمين الدعم المستمر للعمل الميداني. وأكد على أن الجامعات يمكن أن تلعب دورًا رياديًا في توفير الأبحاث والحلول العلمية التي تسهم في حل النزاعات بطريقة مبتكرة ومستدامة. كما أشار إلى أن التعاون بين الجامعات واللجنة سيؤدي إلى نتائج أفضل في تعزيز الاستقرار المجتمعي.
النظرة المستقبلية: الالتزام بتحقيق النجاح
مع ختام الاجتماع، تم التأكيد على الالتزام الكامل من جميع الأعضاء والقيادات المعنية بمواصلة العمل على تحقيق أهداف المبادرة الرئاسية. اللجنة العليا للمصالحات في أسيوط تقف الآن أمام تحديات جسيمة، لكنها أيضًا تتمتع بإمكانيات كبيرة، بفضل الدعم المستمر من القيادة الدينية والسياسية.
المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان” ليست مجرد شعار، بل هي خطة عملية تهدف إلى بناء مجتمع قائم على التسامح والاحترام المتبادل. اللجنة العليا للمصالحات، بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والدكتور عباس شومان، تسعى بكل جدية لتحقيق هذه الرؤية.
وفي ظل هذه التحديات والإنجازات، يبدو أن اللجنة على أتم الاستعداد لمواصلة مسيرتها نحو بناء مجتمع أكثر استقرارًا وتماسكًا، ليكون نموذجًا يحتذى به في كافة محافظات مصر.