يوسف عبداللطيف يكتب: عظمة أكتوبر .. دروس التاريخ وعبور التحديات المستقبلية
في 6 أكتوبر 1973، اندلعت معركة حاسمة غمرها الغبار والدخان، حيث ارتفعت الأعلام المصرية عالياً على رمال سيناء. كان ذلك اليوم شاهداً على انتصار الجيش المصري الذي اعتقد البعض أنه مستحيل، حين عبروا خط بارليف، الحصن الذي لم يكن يُقهر. أظهر الجنود الأوفياء شجاعة استثنائية، مُعيدين لمصر بعضاً من هيبتها المفقودة. ولكن، هل كنا مستعدين لعواقب هذا الانتصار؟ هل كان مدفوعاً برؤية استراتيجية، أم كان مجرد ضربة حظ في ساحة معركة غير مستقرة؟
لم تكن حرب أكتوبر مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت تعبيراً عن صراع إقليمي معقد. بفضل الوثائق الحديثة، تبيّن أن السوفييت لعبوا دوراً في توجيه الهجوم المصري، مما يكشف عن التداخلات الدولية في هذا الصراع. اختيار يوم كيبور لم يكن اعتباطياً؛ بل كان جزءاً من خطة دقيقة تهدف إلى ضرب العدو في أضعف نقاطه. تُظهر هذه الأحداث أن الحروب ليست فقط معارك على الأرض، بل أيضاً حروب على الأفكار والعقول.
لحظة أسر عدد من الجنود الإسرائيليين كانت تعبيراً عن الانتصار والإذلال معاً، إذ عادوا إلى وطنهم مرتدين البيجامات، كرمز لفشلهم في مواجهة الإرادة المصرية. ورغم الانتصارات، تظل الأسئلة قائمة حول مستقبلنا. كيف ستتعامل مصر مع هذا النصر؟ هل ستتحول هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق لبناء مستقبل أفضل، أم ستتوقف عند فرحة النصر؟
يُعتبر الاحتفال بذكرى هذا اليوم احتفالاً مزدوجاً، يجمع بين الفخر والتضحيات. ولكن، ينبغي أن نكون حذرين من الوقوع في فخ الفخر الأعمى. فالنصر يعني أيضاً مسؤولية متجددة نحو بناء الدولة والمجتمع. كيف يمكننا إعادة صياغة تلك اللحظة التاريخية لتكون درساً نتشبث به اليوم؟ نحن بحاجة ماسة إلى التفكير في كيفية استثمار تلك البطولات في مستقبل يليق بتضحيات الشهداء.
لقد علمتنا حرب أكتوبر الكثير، ولكن هل استوعبنا الدروس؟ في عالم يتغير بسرعة، يجب أن نتذكر أن الانتصارات ليست سوى بداية، بل تحمل معها مسؤوليات. كل ذكرى هي فرصة لمراجعة الذات وإعادة التفكير في المستقبل. نحن بحاجة إلى تحديد ما يربطنا كمجتمع، وما يشكل هويتنا، وما يجعلنا نستمر رغم التحديات.
ويبقى السؤال مفتوحاً: كيف نكتب تاريخنا بجرأة ووعي بعيداً عن الرومانسية المفرطة؟ حكاية 6 أكتوبر ليست مجرد انتصار، بل هي دعوة للتفكر والتأمل. لنستلهم من شجاعة جنودنا لنواجه تحديات العصر، ونصنع مستقبلاً يليق بأحلام الأجيال القادمة. التاريخ لا يمكننا الفرار منه، لكننا نستطيع اختيار كيفية إعادة صياغته.