من فضائل الاستغفار أنه من سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون.
= نبي الله آدم عليه السلام :
فكان مما قالا: “قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ”
= نبي الله نوح عليه السلام:
“رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا”
وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ”
= نبي الله موسى عليه السلام:
قال موسى عليه السلام لما قتل رجلاً من الأقباط: ” قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”
= نبي الله شعيب عليه السلام:
قال شعيب عليه السلام لقومه: ” وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ”
= نبي الله صالح عليه السلام:
وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: ” وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ”
ثانياً: الاستغفار فى السنة النبوية :
وردت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية المطهرة يبين لنا فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم فضل الاستغفار وأنه صلوات الله عليه وسلامه كان دائم التوبة والاستغفار مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومنها:
عن الأغر المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إنه ليغان على قلبى وإنى لأستغفر الله فى اليوم مائة مرة”
قال الإمام النووي رحمه الله:
قوله صلى الله عليه و سلم: “إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) قال أهل اللغة: الغين بالغين المعجمة والغيم بمعنى والمراد هنا ما يتغشى القلب.
قال القاضي قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذى كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه قال وقيل هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم وقيل سببه اشتغاله بالنظر فى مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهي نزول عن عالى درجته ورفيع مقامه من حضوره مع الله تعالى ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه فيستغفر لذلك وقيل يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله تعالى فانزل السكينة عليهم ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والإفتقار وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه.
وعن الزهري قال أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال قال أبو هريرة سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ”
وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ”
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال :” قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا”
وعن عكرمة رضى الله عنه قال : قال أبو هريرة رضى الله عنه: إني لأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة ، وذلك على قدر ديتي ”
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ».
وعن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” من أحب أن تسره صحيفته ; فليكثر فيها من الاستغفار ”
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ” قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، ولا أبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ”
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى – صلى الله عليه وسلم – فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: إذا أذنب العبد ذنبًا فقال اللهم اغفر لى ذنبى.
فقال تبارك وتعالى أذنب عبدى ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب،ثم عاد فأذنب فقال أى رب اغفر لى ذنبى، فقال تبارك وتعالى: عبدى أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أى رب اغفر لى ذنبى، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدى ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب واعمل ما شئت فقد غفرت لك ”
ثالثاً: من آثار السلف فى الاستغفار :
قال قتادة رحمه الله : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم : فالذنوب ، وأما دواؤكم : فالاستغفار .
وعن الحسن البصري قال: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ، وفي طرقكم ، وفي أسواقكم ، وفي مجالسكم ، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.
وعن أبي المنهال قال : ” ما جاور عبد في قبره من جار خير من استغفار كثير”.
وقال أبو عبد الله الوراق: لو كان عليك مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوبا لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصا إن شاء الله تعالى اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ولم أوف لك به وأستغفرك من كل عمل أرد به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم”
أنواع الاستغفار:
إن المتأمل فى السنة النبوية المطهرة يجد أن للاستغفار صيغاً كثيرة منها:
أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل الله المغفرة، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، وأنا عبدك ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، وأبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء لك بذنوبي ، فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
” فتضمن هذا الاستغفار الاعتراف من العبد بربوبية الله وإلهيته وتوحيده، والاعتراف بأنه خالقه، العالم به، إذ أنشأه نشأة تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره فيه، والاعتراف بأنه عبده الذي ناصيته بيده وفي قبضته، لا مهرب له منه، ولا ولي له سواه، ثم التزام الدخول تحت عهده ـ وهو أمره ونهيه ـ الذي عهده إليه على لسان رسوله، وأن ذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب أداء حقك، فإنه غير مقدور للبشر، وإنما هو جهد المقل، وقدر الطاقة، ومع ذلك فأنا مصدق بوعدك الذي وعدته لأهل طاعتك بالثواب، ولأهل معصيتك بالعقاب، فأنا مقيم على عهدك مصدق بوعدك، ثم أفزع إلى الاستعاذة والاعتصام بك من شر ما فرطت فيه من أمرك ونهيك، فإنك إن لم تعذني من شره، وإلا أحاطت بي الهلكة، فإن إضاعة حقك سبب الهلاك، وأنا أقر لك وألتزم بنعمتك علي، وأقر وألتزم وأنجع بذنبي، فمنك النعمة والإحسان والفضل، ومني الذنب والإساءة، فأسألك أن تغفر لي بمحو ذنبي، وأن تعفيني من شره، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فلهذا كان هذا الدعاء سيد الاستغفار “.
و ثبت في الصحيحين عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ؛ أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم”
ومنها:
قوله صلى الله عليه وسلم :” أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه “.
عن زيد مولى النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: « من قال أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف “.
وفي هذا الحديث دلالة على أن الاستغفار يمحو الذنوب سواء كانت كبائر أو صغائر، فإن الفرار من الزحف من الكبائر.
لكن ما ينبغي أن يعلم هنا أن المراد بالاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار، فهو حينئذ يعد توبة نصوحا تجب ما قبلها، أما إن قال المرء بلسانه: أستغفر الله، وهو غير مقلع عن ذنب، فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهذا طلب من الله المغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء لله، ويرجى له الإجابة.
و ذكر أهل العلم أن القائل: أستغفر الله وأتوب إليه له حالتان:
الأولى: أن يقول ذلك وهو مصر بقلبه على الذنب، فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه؛ لأنه غير تائب، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار من العبد على الذنب.
والحالة الثانية : أن يقول ذلك وهو مقلع بقلبه وعزمه ونيته عن المعصية، وجمهور أهل العلم على جواز قول التائب: أتوب إلى الله، وعلى جواز أن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية أبدا، فإن العزم على ذلك واجب عليه، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال، وقد تقدم أن من شروط قبول التوبة العزم من العبد على عدم العودة إلى الذنب، فإن صح منه العزم على ذلك قبلت توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة ثانية احتاج إلى توبة أخرى ليغفر له ذنبه، ولهذا فإن العبد ما دام كذلك كلما أذنب تاب وكلما أخطأ استغفر فهو حري بالمغفرة وإن تكرر الذنب والتوبة.