محمد شكر يكتب : حرب بالوكالة .. أم وكالة من غير بواب .. صواريخ إيران ترجئ تكريم منة شلبي في “الإسكندرية السينمائي”
في الوقت الذي تطايرت فيه عشرات الصواريخ الإيرانية في رد هزيل على تنكيل دولة الاحتلال بطهران ووكلائها، وقف الغزيون يهتفون مع سقوط شظايا وحطام الصواريخ المعترضة من القبة الحديدية، ووقف سكان الدول التي عبرتها قذائف إيران قلقا من حرب تتوسع رويدا رويدا، ووقف الأمير اباظة رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي مطالبا مصر بالنهوض بمقطوعة زجلية كررها مرارا من قبل، تكريما لأرض الكنانة التي تستحق المزيد، فالجميع وقف لأسباب مختلفة في ليلة كانت أكثر اختلافا، أرادت فيها إيران غسل يديها من دماء نصر الله واللبنانيين برد هزيل، وتعلق فيها المحاصرون في غزة بأمل زائف برهانهم على حرس لم يعد ثوري، وكرم فيها رئيس مهرجان الإسكندرية مصر بدلا من منة شلبي التي قررت تأجيل تكريم المهرجان ليوم آخر، ربما خوفا من اصداء الصواريخ الإيرانية، خاصة أن ادارة المهرجان لم تعلن تخلفها عن التكريم إلا قبل نحو ساعة من بدء حفل الافتتاح، بالتزامن مع بدء القصف الإيراني.
تتابع الأحداث ولا حقيقة واحدة يمكن التعويل عليها، في عالم يجنح إلى الزيف، فإيران التي لم ترد على الإطلاق، اختارت التضحية بوكلائها للحفاظ على ما امتلكته من قدرات عسكرية، ممنية نفسها بالنجاح في امتلاك قنبلة نووية، قبل أن تنسف دولة الاحتلال مفاعلاتها في تكرار لسيناريو تدمير برنامج العراق النووي، فهي تسابق الزمن للحصول على سلاح ردع قد يمكنها من اخضاع المنطقة، أو على الأقل التحكم في مفاصلها مع نفوذ إيران في مضيق هرمز، وقدرتها على تعطيل حركة التجارة وسلاسل التوريد العالمية، لذلك تركت حزب الله وحيدا، ليفقد قياداته التاريخية واحدا تلو الاخر، وتتفجر أوجه وعيون وأفخاذ عناصره بأجهزة اتصال فخختها دولة الاحتلال، ودفع حزب الله كلفة ما حملته من مواد متفجرة، وسط صمت إيراني شجع العدو على قتل الامين العام للحزب حسن نصر الله، حتى أن الخبراء قالوا أن الموساد استطاع الوصول إليه بعد 3 عقود من التخفي، نتيجة تتبع نائب قائد فيلق القدس عباس نیلفروشان، الذي قتل أيضا خلال اجتماعه بنصر الله، بعد أن أدرك متأخرا، أهمية استقلال قراره، مع لعب طهران لصالحها فقط، واستخدامه وباقي الحركات المسلحة كأذرع تخترق العمق العربي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لذلك أراد نصر الله فك ارتباط الحزب بالحرس الثوري الإيراني، على مستوى القرار الوطني، بلا مساس بالدعم العسكري.
هتافات سكان قطاع غزة للصواريخ الايرانية، كان المشهد الحقيقي الوحيد أمس، لأنه أحيا الأمل في قلوب النازحين المشردين منذ عام تقريبا، بلا اياد تمتد إليهم، مع ضعف مواقف الداعمين لقضيتهم العادلة، وتحول الولايات المتحدة لبطة عرجاء، لا تقوى على وقف دولة الاحتلال، خشية من تأثير جماعات الضغط الصهيونية على انتخابات رئاسية تحولت إلى حرب أهلية بين الأفيال الجمهوريين والحمير الديمقراطيين، رغم أن ما يفعله نتنياهو، يضر بمصالح الولايات المتحدة، أكثر من إضراره بدول المنطقة، ولكنها سياسة انتهاز الفرص التي ينتهجها نتنياهو، ويبقى سكان غزة رهينة صراع دولي أكبر، ومخططات صهيونية لن يكتب لها النجاح، حتى بسفك المزيد من الدماء.
فلا حقيقة مطلقة في صراعات الشرق الأوسط باستثناء مصر، التي دعاها الامير أباظة للنهوض في افتتاح النسخة الأربعين من مهرجان الإسكندرية السينمائي، رغم استنفار مصر منذ اليوم الأول للحرب، واعلان حالة طوارئ غير معلنة، مع التدخل لإدارة الصراع بعد افشال تل أبيب لمساعي إيقافه، لهذا كان أولى بالأمير أباظة، أن يدعو منة شلبي للنهوض بدلا من مصر لحضور تكريمها، عوضا عن اعتذار غامض أرجأ التكريم لحفل الختام، ولم يعلن عنه إلا بعد اطلاق ١٨١ صاروخا ايرانيا، أو مع بدء توافد ضيوف المهرجان على مكتبة الاسكندرية لحضور الافتتاح، ودون ابداء أسباب، أو إشارة إلى حضور منة ندوة تكريمها كتقليد مهرجاناتي يسعد أي مكرم.
غياب منة شلبي عن التكريم، لا يختلف عن غياب إيران عن ساحة المعركة، بعد أن تسببت هي ودولة الاحتلال في توريط العديد من الدول فيها، فإيران استخدمت وكلائها وتخلت عنهم، وكذلك منة، التي أرادت اقتناص تكريم يذكر الجميع بحجم موهبتها المتفردة، رغم أنها لا تحتاج إلى اعتراف أو شهادة، ولكن أهميته تتمثل في التوقيت، وسعي منة شلبي إلى محو ما علق بها من إدانة قضائية بحيازة مواد مخدرة، ورغم استحقاقها تكريم مهرجان كبير مثل الإسكندرية السينمائي، إلا أنها اعتمدت استراتيجية طهران، لاستغلال المهرجان كوكيل يخدم مصالحها، بتجنب الافنتاح، وبالتالي تجنب أسئلة المراسلين والصحفيين على السجادة الحمراء للمهرجان، ولا أجزم بصحة تحليلي لهذه الواقعة، ولكن ما قد يؤكد أو ينفي ما أقول، هو غياب منة شلبي عن ندوة تكريمها من عدمه، فالغياب يحرمني وٱخرين من رؤيتها في مهرجان الإسكندرية، والمشاركة تهدم هذا التحليل غير مأسوف عليه، فندوة التكريم هي تاج المكرم، ولا يتنازل عنها إلا مزدرْ للفعالية التي تكرمه أو خائف من مواجهة السينمائيين والإعلاميين، ومهرجان الإسكندرية أكبر من أن تزدريه منة شلبي أو غيرها، وأتمنى ألا يسهم الخوف أو الجبن عن مواجهة الإعلام، في محاولتها استغلال المهرجان، دون تقديم ما يستحقه من احنرام وتقدير لتاريخه، حتى وإن واجه حاضره عثرات، قد تدفع رئيسه لتغيير مطلع مقطوعته الزجلية من “قومي يا مصر” لو لم تخني الذاكرة، إلى “قوم يا مهرجان”, وهي قيامة أرى أن وقتها قد حان.