ليلة بكت فيها إسرائيل .. لماذا أغلق وزير الدفاع الإسرائيلي جالانت حسابه الشخصي
27 ىعامًا لم تكن كافية لطي صفحة الأحزان و التئام الجرح الإسرائيلي من كمين أنصارية في 5 سبتمبر 1997 الذي أوقعت فيه مقاومة حزب الله، وحدة النخبة البحرية الإسرائيلية “شايطت 13” وقتلت فيه 12 جنديا وضابطا تسللوا ليلا إلى لبنان.
فقد اعتبر وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي يوآف جالانت أن حسابه الشخصي المفتوح منذ ذاك العام، مع قادة وحدة “الرضوان” في حزب الله إبراهيم عقيل وأحمد وهبي، أغلق باغتيالهما في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين.
وجاء الثأر الإسرائيلي في نفس الشهر” سبتمبر ” في العشرين منه قبل 4 أيام فقط..
جالانت، الذي كان قائداً لوحدة الكوماندوس الإسرائيلية حتى فترة قريبة قبيل الكمين في أنصارية جنوبي لبنان، أكّد أنّ هذه العملية “ستبقى إلى الأبد محفورة في الذاكرة تحت اسم كارثة وحدة الشايطت”.
مثّل هذا الكمين المحكم الذي أعدّه حزب الله ضربة قاسية، ضمن سلسلة صدمات تلقتها إسرائيل في حربها مع المقاومة وقدراتها الاستخبارية.
جاء تصريح جالانت بعد ضربة الضاحية الجنوبية التي قال إنها مثيرة للإعجاب” ليظهر أن ألما قديما ما زال يطارده بسبب كمين أنصارية، وباغتيال قائدي وحدة الرضوان في حزب الله، أغلق وزير الدفاع الإسرائيلي ذاك “الحساب الشخصي” الممتد منذ 27 عاما، فقد اتهم عقيل ووهبي بالإعداد للكمين الذي أودى بحياة جميع أفراد القوة الإسرائيلية بقيادة المقدم كوركين آنذاك.
وعام 2010، أي بعد 13 عاما على الكمين، كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، سر “كارثة شايطت” التي وقعت في بلدة أنصارية بين مدينتي صيدا وصور الساحليتين، التي وصلت إليها قوة كومنادوز إسرائيلية لتنفيذ مهمة عسكرية.
وقال نصر الله في خطابه إن أجهزة الحزب تمكنت من التقاط بث طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار كانت تصور تلك المنطقة التي نصب أفراد حزب الله فيها كمائن لعدة أسابيع على افتراض أن يقوم جيش الاحتلال بعملية إنزال فيها.
وقد أثارت تصريحات نصر الله آنذاك حول الكمين -الذي صدم إسرائيل بمقتل كافة أفراده ضباطا وجنودا- ضجة في إسرائيل لأن تلك المعطيات خالفت استنتاجات لجنة التحقيق التي خلصت إلى أن الكمين الذي نصبه حزب الله كان عشوائيا.
هارتس ” شايطت” جرح لايلتئم
وصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية “كارثة شايطت” بالجرح الذي لا يلتئم، وبينما اعتبرتها واحدة من أكبر الصدمات التي تعرضت لها نخبة الجيش الإسرائيلي.
وقال موقع “زمن إسرائيل” إنه بعد مرور سنوات على الحادثة فإنه ما زال من غير الواضح تماما ماذا جرى تلك الليلة.
ليلة الخامس من سبتمبر 97
وفي ليلة الخامس من سبتمبر 1997، انطلقت قوة خاصة إسرائيلية إلى عمق لبنان لنصب كمين لأحد القادة البارزين بعد مراقبته على مر شهرين تقريبا، وكان الهدف يتجه من النبطية إلى قرية أنصارية في مسار محدد، وكل مرة يصل إلى نقطة معينة يبطئ من سرعة سيارته بسبب حفرة في الطريق.
وقررت إسرائيل اختيار تلك النقطة لتنفيذ عملية الاغتيال عبر زرع المتفجرات فيها.
يذكر موقع “زمن إسرائيل” أن طائرة استطلاع كانت تتابع تحركات الهدف بشكل شبه يومي.
لكن ما لم يعرفه الإسرائيليون أن الصور التي كانت تُرسل إلى مقر وزارة الدفاع في تل أبيب كانت ترسل أيضا إلى مركز العمليات في حزب الله.
يوضح نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في كتاب له أن “تفاهم نيسان” -الذي أبرم بين حزب الله وإسرائيل سنة 1996- ألزم الاحتلال بعدم استهداف المدنيين، وقيده بالمواجهة حصرا مع المقاومين، فاختار الجيش الإسرائيلي خطة زرع الكمائن.
وقبل كمين أنصارية، نجحت إسرائيل عبر تلك الإستراتيجية بزرع عبوة ناسفة في منطقة الكفور بالنبطية، وانفجرت العبوة بعدد من المقاتلين في لبنان.
وأرادت إسرائيل تكرار التجربة في بلدة أنصارية قضاء صيدا، فدخلت نخبة الكوماندوز البحرية عبر الخط الساحلي ليلا، وبمجرد وصولهم للمكان المحدد، وقعوا في كمين محكم أعده حزب الله، وبعد 3 ساعات من الاشتباك، كانت النتيجة سقوط 17 إسرائيليا بين قتيل وجريح.
وعلى الرغم من تدخل الطيران الإسرائيلي آنذاك، تمكن مقاتلو حزب الله من جمع بعض الأشلاء للجنود القتلى، ما شكل رصيدا مهما فيما بعد لعملية تبادل المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
كان الكمين محكما وجرى تنفيذه بدقة من قبل مقاتلي حزب الله، وهذا ما اعترف به قاسم في كتابه:
قبيل وصول القوة الإسرائيلية إلى المنطقة، يقول موقع “زمن إسرائيل” إن الطائرات المسيرة أظهرت تحركات مشبوهة في المكان الذي كان من المفترض التوجه إليه، وكان القرار أن هؤلاء لم يكونوا بشرا وبالتالي لم يتم إعطاء أي تعليمات لقوة “شايطت” على الأرض.
ويروي أحد جنود وحدة النخبة الإسرائيلية ما حدث تلك الليلة فيقول “على بعد مئات الأمتار من المكان الذي كنا نخطط لزرع المتفجرات فيه، دوى انفجار مفاجئ، تلاه على الفور إطلاق نار مباشر لقد كان هناك من ينتظر القوة”.
وبعد لحظات قليلة، وقع انفجار أكبر وصفه الجندي قائلاً :انطلقت كرة نار نحو السماء فجأة”.
وعن مقتل المقدم يوسي كوركين قائد الوحدة الإسرائيلية، يقول الجندي الإسرائيلي “كان مستلقيا على بطنه، ناديته وهززته، ولم أصدق أنه قُتل.
كان أسطورة في قوات النخبة، وها هو الآن ملقى أمامي في لبنان.
يقول الجندي، بعد 20 دقيقة على الانفجار: وصلت مروحيتان المنطقة، وبدأت قذائف الهاون تسقط قربهما، ثم وقع جدل بين قائد القوات الخاصة في قارب القيادة بالقرب من شواطئ صور وقائد سلاح الجو الذي كان بمقر القيادة في تل أبيب.
فقد أمر قائد سلاح الجو الطيارين بالإقلاع خوفا من التعرض لهجوم، في حين أصر قائد القوات الخاصة على عدم المغادرة حتى يتم العثور على كافة أشلاء الجنود.
فاق اختراق المقاومة في عملية أنصارية للطائرات المسيرة الإسرائيلية توقعات جيش الاحتلال الذي يتباهى بتفوقه النوعي.
وبعد سنوات من العملية، أقر محلل الشؤون العسكرية لدى “معاريف” الإسرائيلية عامير رابابورت في تحقيق نُشر بالصحيفة أنّ حزب الله علم مسبقاً بعملية أنصارية، وأنّ الصور ومقاطع الفيديو التي رصدتها الطائرة من دون طيار الإسرائيلية عن مسار وحدة الكوماندوز البحري الإسرائيلي، التقطت بواسطة أجهزة رصد تابعة للحزب.
كما كشف تحقيق “معاريف” عن إخفاء معلومات وصلت إلى قيادة سلاح البحرية الإسرائيلي عن وجود “شخصيات مشبوهة” في مسار العملية جرى كشفها عن طريق أجهزة تسجل حرارة جسد الإنسان من علو شاهق لكنها لم تنقل إلى القيادة الميدانية.
وبعد عملية عناقيد الغضب عام 1996، اعتمدت قيادة الجيش الإسرائيلي خطة تهدف إلى نقل حزب الله من حالة الهجوم والمبادرة إلى موقف دفاعي يستقبل الضربات. وبدا هذا الخيار في نظر إسرائيل حينها إستراتيجيا وواعدا. لكن النتائج القاسية لكمين أنصارية، سواء من حيث الخسائر أو نوعيتها، أظهرت تفوقًا استخباراتيًا غير مسبوق زعزع ثقة القيادة الإسرائيلية بتلك الاستراتيجية.
القناة الثانية وتفسير مختلف : خلل في الألغام وانفجار
القناة الثانية الإسرائيلية، تحدثت في تقرير لها عن كمين محكم لحزب الله، حيث تسللت سرا قوة مؤلفة من 15 جنديا من وحدة الكوماندوز البحري الإسرائيلي (وحدة شايطيت 13) نحو منطقة الأنصارية في جنوب لبنان بهدف اغتيال قيادي في حركة “أمل” اللبنانية، وبعد وقت قصير بعد تغلل جنود الوحدة في الأراضي اللبنانية حدث انفجار أسفر عن مقتل 12 من أفراد القوة من ضمنهم الطبيب المرافق لهم. ران إدليست.
محلل الشؤون العسكرية والأمنية لدى صحيفة “معاريف”، كشف في مقال له قبل 7 سنوات ، عن رواية جديدة لما وقع، وأكد عدم صحة كلتا الروايتين اللتين نشرتهما القناة الثانية والعاشرة الإسرائيليتين، معتبرا أن تلكما الروايتين تندرجان تحت إطار “غسيل الحقيقة” ومحاولة إخفاء ما جرى.
واستعرض المحلل في مقاله الأجواء التي سادت في تلك الفترة، حيث رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عام 1996 التوقيع على المرحلة الثانية من اتفاقية أوسلو، ووقع عليها مطلع 1997، وفي هذه الأثناء قتل 17 جنديا إسرائيليا في عمليات ضد أهداف إسرائيلية متواصلة في الأراضي الفلسطينية، وفي المقابل قتل نحو 100 فلسطيني، وقتل جندي أردني سبع طالبات من مدرسة دينية يهودية قرب طبرية بعدما أطلق النار عليهن، ووقعت عملية تفجيرية في القدس، وقتل أكثر من 70 جنديا إسرائيليا في تحطم مروحيتين عسكريتين، خلل تقني تسبب بفشل وفي ظل هذه الأجواء، وافقت الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ عملية اغتيال القيادي في حركة “أمل” في محاولة منها لكسب تأييد سياسي في المجتمع الإسرائيلي، الذي بدأ يفقد الثقة بنتنياهو وحكومته على ضوء الوضع الأمني المتردي الذي ساد، واصفا العملية بأنها “قصة فشل معلن”.
وحاولت قيادة الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي وكذلك الكوماندوز البحري، تنفيذ عدة عمليات عسكرية، “فشلت جميعها بسبب خلل في الألغام التي كانت معدة لاغتيال قياديين في المقاومة اللبنانية”، بحسب إدليست الذي أوضح أن وحدة “ييفتاح” (وحدة تطوير الأسلحة) عملت على تطوير اللغم الذي حمله جنود الكوماندوز البحري، عبر إصلاح خلل تقني فيه تسبب بفشل عمليات عسكرية، وفق ترجمة موقع “عرب48”.
وكشف إدليست، أن سلاح الجو الإسرائيلي رفض المشاركة في العملية، ما دفع قيادة الجبهة الشمالية للتوجه إلى الكوماندوز البحري، وحصل على موافقة أليكس طال، قائد سلاح البحرية وقتها، وصادق على العملية بعد ذلك رئيس شعبة العمليات غابي أشكنازي، ثم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أمنون ليبكين-شاحك، ثم وزير الأمن والمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية ورئيس الحكومة نتنياهو.
يذكر أن الوحيد الذي عارض تنفيذ عملية الاغتيال هو قائد وحدة الاستخبارات في سلاح البحرية، العميد شايكة بروش، وطالب بتأجيلها إلى بداية فصل الشتاء، حيث الليل أطول، وفق المحلل الذي لفت إلى أنه رغم عدم صلاحية الألغام، فإنه لم “يقم أحد بتدوير الزوايا، كما أن رئيس دائرة أمان الألغام في “ييفتاح” رفض التوقيع على صلاحيتها، وبقي رافضا حتى عشية يوم تنفيذ العملية”.
وقال: كان رفض رئيس دائرة أمان الألغام ليس بسبب إشكالية في الأمان وإنما بسبب التخوف من أن اللغم لن يعمل، لكنه غير رأيه ووقع على صلاحية الألغام في الدقيقة الأخيرة قبل انطلاق العملية”، موضحا أن ثلاثة جنود من أفراد الوحدة حملوا ثلاثة ألغام،وهذه الألغام هي التي انفجرت وأدت إلى مقتل 11 جنديا وطبيب الوحدة.
وقال الضابط إيتاي بركاي، من وحدة إزالة الألغام، الذي وصل ضمن فرقة إنقاذ إلى موقع الحادث في جنوب لبنان: إنني كخبير متفجرات عسكري، بإمكاني القول إن اللغم الذي تم إعداده من أجل تنفيذ هذه العملية العسكرية لا يتلاءم مع حمله على ظهر الجنود، وهو مبني بصورة غير مهنية تشكل خطرا على حامليه.
وبين إدليست، أن عدة لجان تحقيق إسرائيلية حققت في الحادثة لكن جميعها لم يستدع بركاي للإدلاء بإفادته، مؤكدا أن “الجيش وصناع القرار السياسيين قضوا على إمكانية إجراء تحقيق عميق في أسباب الانفجار بواسطة الرقابة العسكرية إثر التبعات الدولية، وشهدنا بعد ذلك كيف بدأت تعمل ماكينة الغسيل العسكرية من أجل أن تثبت أن هذه ليست ألغامنا”.
وأكد محلل الشؤون العسكرية والأمنية، أن حزب الله لم يكن يعلم بوجود قوة الكوماندوز الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية، وأن “الوحدة 8200” (وحدة التصنت التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية)، اعترضت محادثات بين مقاتلين ونشطاء في حزب الله، بعد الانفجار، يتساءلون عما حدث.
ونوه في نهاية مقاله، إلى أن حزب الله اللبناني لو كان يعلم بوجود أفراد القوة (شايطيت13) في الأراضي اللبنانية لحولها إلى هدف لنيران رشاشاته.
وحدة شايطت 13 في سطور
وحدة الـ”شايطت 13″ هي وحدة كوماندوز بحرية تابعة لجيش الاحتلال، توكل إليها المهمات الأصعب التي يجب تنفيذها في مناطق تشهد عمليات عسكرية، في البحر والبر والجو.
وتقوم الوحدة النخبوية بشكل خاص بأنشطة عسكرية ذات طابع أمني، كالتسبب بالأضرار الإستراتيجية للبنية التحتية (تفجير مرافئ ومطارات ومرافق حيوية)، بالإضافة إلى جمع معلومات استخباراتية عالية الجودة، والاغتيالات النوعية، ويتخصص جنود الوحدة في الحرب البحرية والغوص والعمل تحت الماء والإنزالات البحرية والجوية.
وكثيراً ما يتبوّء قادة هذه الوحدة مناصب عسكرية وأمنية هامة بعد نهاية خدمتهم، باعتبار أنهم من الأكثر كفاءة في جيش الاحتلال.