الصحفي الإماراتي محمد يوسف يكتب: تقنية القتل
تطورت الحرب السيبرانية، لم تعد معتمدة على قراصنة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وما عاد التدخل مقتصراً على تحريض وتشويش وتزييف معلومات، وما عادت الدول «المقرصنة» بحاجة إلى التدخل في الانتخابات الأمريكية، فالأدوات اختلفت، والأهداف تغيرت، ووجد المجرمون والطامعون تقنيات تساعدهم على نشر الفوضى وإراقة الدماء!
هجوم «البيجر» سابقة، من حيث الشمولية والنتائج، رغم أن الأسلوب ليس جديداً، فقد استخدمت إسرائيل تفخيخ الهواتف من قبل، ووصلت إلى قيادات في حماس وغيرها، وأحدهم «يحيى عياش» مهندس تسليح التنظيم وصناعة صواريخه، وبشحنة متفجرات لا ترى بالعين المجردة في هاتفه كانت نهايته، وقبلها كانت عمليات الاغتيال من خلال الهواتف الثابتة، وخاصة في الفنادق، حيث تم اصطياد قادة فلسطينيين في مراحل سبقت الذكاء الاصطناعي بعقود!
هذا إنذار للعالم، فالقادم سيكون أسوأ من الذي نشاهده الآن، وقمة السوء يوم يكون التطور التقني في متناول أيدي الجهلة والمتخلفين، وفي المقابل يكون سلاحاً لدى دولة تتطلع إلى التوسع والتمدد، وهذه إسرائيل أمامنا تفعل بهذه التقنيات ما تشاء في تنفيذ حروبها المستعرة، وتنتقل من دولة إلى أخرى، وتعبث بما تنتجه المصانع من تقنيات، وتلغمها بما تشاء من برامج تنصت إلى بودرة متفجرة، وهذا فعل غير محسوبة عواقبه، لو ترك دون تدخل دولي حازم سيكون العالم في السنوات القليلة القادمة عرضة لألاعيب من قتلوا وجرحوا ثلاثة آلاف شخص في لبنان وسوريا قبل يومين، وسيتبعهم من يعتقدون بأن دماء من لا ينتمون إلى دينهم ومذهبهم وتنظيمهم المنحرف ولا يخضعون لسياستهم مباحة، فالذين سقطوا في تفجيرات «البيجر» ليسوا أتباع نصر الله ومن خلفه، فهؤلاء كانوا أحد عشر شخصاً، والبقية من الناس، من الأبرياء، من كانوا ضحية المكان والزمان في لحظة اتخاذ مجرمي الحرب الإسرائيليين قرار التفجير.
ما حدث في «البيجر» قد يحدث في التقنيات الأخرى، وهي ليست من الكماليات اليوم، بل هي التي تشغل كل شيء، ويمكن أن توقف كل شيء!