توبمنوعات

نسائم الجمعة..  حقيقة التوكل على الله

التوكل على الله يجمع شيئين:

أحدهما: الاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ، وأنه قدّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.

الشيء الثاني: تعاطي الأسباب، فليس من التوكل تعطيل الأسباب، بل من التوكل الأخذ بالأسباب والعمل بالأسباب، ومن عطلها فقد خالف شرع الله وقدره.

الله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى، وأمر رسوله ﷺ بذلك، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب، بل لا يكون متوكلًا على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح لحصول الولد وأمر بالجماع، فلو قال أحدٌ من الناس: أنا لا أتزوج وأنتظر ولدًا من دون زواج لعد من المجانين.

ليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل، ويجتهد في طلب الرزق الحلال.

ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب، ومن قال ذلك؟ فقد قال الله لها: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا “مريم:25” فهزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب، فليس من عملها ترك الأسباب، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها بأن أتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق، لا يدل على أنها معطلة للأسباب.

فـ هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب، وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئًا من الكرامات فهذا من فضله ، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب.

وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، قال الله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ “الفاتحة:5”.

التوكل عبادة:

التوكل على الله عبادة أمر الله بها عباده المؤمنين، وحقيقته تكون بالثقة بما عند الله واليأس بما في أيدي الناس،والثقة بأنّ الله جالب المصالح ودافع المضار، وتحقيق التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب، فكما أنّ التوكل عبادة فالأخذ بالأسباب عبادةٌ أيضاً.

كيف يتحقق التوكل:

هنالك عدة أمور يجب على العبد فعلها لتحقيق التوكل منها:

توحيد الله وتخليص النفس من أدران الشرك. الإيمان بكمال ربوبية الله وأنّه بيده كل شيء. وحسن الظن بالله، و استشعار العبد فقره وحاجته لله، واستشعاره ضعف المخلوقين وأنه لا شيء بيدهم.

الأخذ بالأسباب دون الاعتماد عليها، فمن الناس من اعتمد عليها دون الاعتماد على الله فوقع بالشرك، فلذلك يجب على الإنسان الأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على الله، فإن شاء الله رتّب عليها مسبباتها، وإن لم يشأ فلا.

ودليل ذلك ما قاله رجلٌ لرسول الله: “يا رسولَ اللهِ أعقِلُها وأتوكَّل أو أُطلقُها وأتوكَّل قال اعقِلها وتوكَّل”

التعرّف على أسماء الله وصفاته، و التأمّل في فضل التوكل، واستشعار عظيم أثره على العبد.

و التفكر في علم الله وقدرته وإحاطته بكل شيء.

وكما أنّ للتوكل أموراً تحققه فإنّ له أموراً تنافيه أيضاً، منها:

-الاعتماد على الناس في قضاء الحاجات وتحقيقها.

-ارتكاب الذنوب والمعاصي والغرق بالشهوات.

– ضعف إيمان العبد وعدم طاعته لله.

– الجهل بأسماء الله، وصفاته، وعلمه، وقدرته، وإحاطته بكل شيءٍ.

– اغترار الإنسان بما يملك من مال وجاه، فيظنّ أنّها السبب في تحقيق ما يريد فيتكل عليها.

– الاعتماد الكليّ على الأسباب اعتقاداً من فاعلها أنها تحقق ما يريد، الاعتماد على أمرٍ ليس سبباً شرعياً، مع الاعتماد على الله كالاعتماد على التمائم.

– الاعتماد على سببٍ غير مؤثرٍ كالأموات والغائبين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى