كُتّاب وآراء

د. عادل القليعي يكتب: محمد رسول الله صل الله عليه وسلم، هو النبي لا كذب، هو ابن عبد المطلب.

رسول الله النبي الأمي، الفصيح البيلغ، الذي فاقت بلاغته كل البلغاء، وفاق أدبه كل الأدباء، وتفوق بحكمته على كل الحكماء.
لماذا ؟! لأن الله منحه الحكمة وفصل الخطاب، فهو القائل (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)، ففاقت بلاغته بلاغة كل الأنبياء.
هذا الرسول الأمي الذي لا أقول يجيد الكتابة والقراءة بل لا يعرفها حتى إلا أن الله تعالى منحه بلاغة في خطاباته شهد لها القاصي والدان من آمن به ومن لم يؤمن، بل بلاغته في خطاباته المرسلة إلي القياصرة والملوك والحكام جعلتهم يجلونه ويقدرونه دون أن يرونه فها هو المقوقس حاكم مصر في خطاب الرسول المرسل إليه، بلاغة فى قوة وقوة في بلاغة عبارة خلدها التاريخ (أسلم تسلم)، انظروا أيدكم الله تعالى بالحكمة وفصل الخطاب، أسلم كلمة بليغة تحمل ما تحمله من معاني العزة والمنعة فليس ثمة منعة ولا عزة إلا بالدخول تحت راية الإسلام، ثم كلمة تسلم، وهنا نجد بلاغتها تحمل دلالتين دلالة حسية ودلالة معنوية، حسية أي لا تعرض نفسك أيها الحاكم للحرب والقتل والهلاك، وتعرض قومك لويلات الحروب والهلكة.
ودلالة معنوية، أي دخولك ودخول قومك فى الإسلام سيشعرهم بالراحة والأمن والأمان والطمأنينة والسلام النفسي.
وثم دلالة ثالثة قد تكون خافية على البعض، الدلالة الحسية والمعنوية، التي ربطت بين المصطلحين أسلم تسلم فليس ثم فاصل بين الكلمتين، كأن يقال أسلم  حتى تسلم أو أسلم من أجل أن تسلم.فالإسلام دعوة إلى السلام والأمن ونشره في ربوع العالمين.
وتتجلى بلاغة خطاباته صل الله عليه وسلم، بعد أن فتح الله عليه بالفتح المبين فتح مكة، وقف خطيبا فى القوم فخطاب خطابا جامعا مانعا في كلمات موجزة بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، قائلا ما تظنون أني فاعل بكم سؤال استنكاري استفهامي بليغ يحمل من التوبيخ والعتاب ما يحمله من معان، ردوا عليه فقالوا أخ كريم ابن أخ كريم، فتجلت بلاغته الدعوية التي على إصرها دخل القوم الإسلام، ليس هذا وحسب ففي هذا الخطاب الرحمة والعطف والعزة والقوة، عندما قال الصحابة اليوم يوم الملحمة فرد النبي قائلا اليوم يوم المرحمة.
ليس هذا وحسب أيضا بل وتجلت بلاغته الخطابية التي اعتمدت على محسنات ومفردات اللغة ما يلين معها القلوب وتتفهمها العقول وجاءت خطاباته عذبة الكلمات، ها هو يقف خطيبا فى الأنصار بعد أن أخذتهم الغيرة من أن النبي أعطي أهل مكة كل الغنائم ولم يعطي الأنصار شيئا، فشاهد ذلك في وجوههم، ماذا قلت لهم أيها الحكيم الفقيه البليغ، أيا معشر الأنصار إن أهل مكة حديثوا عهد بالإسلام، فأردت أن أعطيهم تحبيبا لهم فى الدين، أما هم فاعطيتهم الغنائم، أما أنتم أما يرضيكم أن تعودوا بمحمد معكم إلى المدينة، أي يرجع معكم رسول الله ليعيش معكم وبين ظهرانيكم فى المدينة، أما والله فقد أويتمونا واكرمتمونا وقاسمتمونا أموالكم ودوركم وأهليكم، أما يرضيكم أن يعود معكم رسول الله.
ثم يتجلى الخطاب الدعوي والبلاغي في أبهى صوره في حجة الوداع، انظروا إلى خطبة النبي صل الله عليه وسلم، ماذا قال، قال أيها الناس، ولم يقل أيها المسلمون أو أيها الموحدون على الرغم أنه كل من على عرفات الله مسلمون موحدون، لكن خطابه جامع مانع، أيها الناس، والخطاب موجه للجميع لمن دخل فى الإسلام ولمن لم يعتنقد الإسلام، لمن سيسمعه بعد ذلك من أمته إن أموالكم ودمائكم فقدم المال على الدم لأن الإنسان يجمع المال أولا ويدافع عنه بعد ذلك بدمه، بكل ما أوتي من قوة، إن أموالكم ودمائكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا، ثم وصيته بالنساء، انظروا إلى لفظة استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم، وليس معنى عوان، أنهن أسيرات أو سبايا، أو خدم عندكم، وإنما عوان عندكم أمانات عندكم، فهن كما قال شقائق الرجال.
ثم انظروا واعتبروا فى قوله صل الله عليه وسلم.
استحللتم فروجهن بكلمة الله، انظروا إلى البلاغة فى تعبيره بكلمة الله، خلص بها الكلام، فليس بعد كلام الله تعالى كلام،فمن أصدق من الله حديثا وكلمة الله هي الميثاق الغليظ ألا وهو عقدة النكاح.
إن بلاغة الخطاب الدعوي عند الرسول الأعظم صل الله عليه وسلم أخذت عدة صور أولها، بلاغة الخطاب المناجاتي، مناجاته لربه تعالى في صلواته واذكاره تذللا لله تعالى (إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي)، (لك العتبى حتى ترضى)،(كيف أرضى وواحد من أمتي فى النار).
أما الصورة البلاغية الثانية، الخطاب الفردي فى مخاطبته لأحد الصحابة أو لمجموعة صغيرة، هل أتاكم خطابه لأسامه بن زيد، اتشفع فى حد من حدود الله يا أسامه، خطابه لعمر بن الخطاب حينما عنف اليهودي وكاد أن يفتك به لأنه تطاول على النبي صل الله عليه وسلم.
ثم الصورة الثالثة بلاغة الخطاب الجمعي، والتي تمثلت في خطبه المنبرية أو في حلقات علمه أو فى شحذ الهمم فى المعارك.
أما أشكال بلاغة الخطاب، فأخذت شكلين، إما مقروء أو مسموع، أما المقروء فهو المكتوب الذي يقرأه نيابة عنه السفراء للحكام والملوك والقياصرية والكياسرة.
أو مسموع رأسا منه صل الله عليه وسلم، أو ما ورد عنه من أحاديث رواه الصحابة وأخذها الرواة الثقاة بعدهم.
ورب متنطع يتنطع على رسولنا الكريم، وهم كثر الآن – يطلع علينا بوجهه القبيح فيقول تعلم محمد، نقول له تأدب مع رسولنا الكريم وقل رسول الله، يقول تعلم البلاغة من البيئة التي نشأ فيها ومهنته التي كان يعمل بها ومخالطته للشعراء من أهل مكة.
أو يطلع علينا آخر من أهل الفزلكة فيقول لقد تعلم البلاغة من مخالطته للنصارى وأحبار اليهود وقراءته لأسفارهم وكتبهم.
نقول أولا، رسول الله صل الله عليه وسلم لم يخالط الشعراء في الجاهلية بل كان كثير التعبد والاختلاء بنفسه في غار حراء، الثانية أنه لم يكن يعرف لا القراءة ولا الكتابة ولم يثبت عنه أنه جالس اليهود ولا النصارى قبل بعثته.
أما قولنا الفصل في هذا الأمر، أن الذي علمه البلاغة واعطاه الحكمة وعلمه فصل الخطاب فهو الله تعالى.
في قرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (علمه شديد القوى)
فعلمه من الله علما لدنيا وبلاغته بلاغة اصطفائية عن طريق هبات صفائية.
فهلا تعلمنا منه البلاغة فى الخطاب.

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان ورئيس قسم الفلسفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى