يوسف عبداللطيف يكتب: مبادئنا .. درع الهوية أو قيد الانحطاط
المبادئ هي الجذور التي تربط الإنسان بأخلاقه وقيمه، وهي البوصلة التي توجهه في معترك الحياة. من دونها، يصبح الفرد عرضة للتقلبات، يستجيب لكل إغراء أو فرصة زائلة دون اعتبار للعواقب. هذا المقال يعبر عن رأيي الشخصي فيما يتعلق بمن لا يرتكز على مبادئ ويصبح ضحية لأهوائه ومغريات الحياة، وينحني أمام الإغراءات المالية أو الطموحات السياسية، فيتنازل تدريجيًا عن قيمه السامية في سبيل مصالح آنية.
من المثير للاستياء أن نرى بعض الأفراد، في مجالات متعددة، يتخلون عن مبادئهم لأجل مكاسب وقتية. سواء كانت هذه المكاسب حفنة من النقود أو طموحًا سياسيًا لتحقيق العضوية في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فإن التضحية بالمبادئ من أجل هذه المكاسب هي تذكرة نحو فقدان الاحترام والوقار، ليس فقط من الآخرين، بل أيضًا من النفس. التحول إلى “مهرج” في الساحة السياسية، يثير الشفقة بدلاً من الإعجاب، هو صورة حية لمن يفرط في مبادئه من أجل السلطة أو الشهرة.
الأمر ليس مجرد اختيار فردي بين التمسك بالقيم أو التخلي عنها، بل هو عملية تدريجية. الشخص الذي يتخلى عن مبادئه غالبًا لا يدرك ذلك في البداية. يبدأ بتنازلات صغيرة، قد تكون مبررة في البداية بضرورات الواقع أو متطلبات اللحظة. ولكن مع مرور الوقت، يصبح الطريق إلى الخضوع أكثر سلاسة وأقل مقاومة، حتى يجد نفسه في النهاية قد تخلى تمامًا عن قيمه ومبادئه.
في حياتنا المعاصرة، نجد الكثير ممن يتغيرون كما يغيرون سياراتهم، يبدلون مواقفهم وآراءهم وفقًا لما يحقق لهم المكاسب الفورية، وينسون أن الإنسان المبدئي هو الذي يحظى باحترام العقلاء على مر العصور. إن المبادئ ليست عبئًا يثقله في مواجهة تحديات الحياة، بل هي القوة التي تحميه من السقوط في مهاوي الانتهازية والرخص. المبادئ تعطي الإنسان شخصية ثابتة، تقوده إلى اتخاذ قرارات صحيحة ومستدامة، حتى وإن كانت مؤلمة أو مكلفة في البداية.
لكن لماذا نرى اليوم هذا التهافت على التخلي عن المبادئ؟ ربما يعود ذلك إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها مجتمعاتنا. ففي عالم تسيطر عليه المصالح الشخصية والمكاسب المادية، يجد الفرد نفسه أمام خيارات صعبة، ويشعر بأن التمسك بالمبادئ قد يعوق تقدمه أو نجاحه. ولكن، على الرغم من هذه الضغوط، فإن الحفاظ على المبادئ هو الخيار الوحيد الذي يضمن للفرد احترامه لذاته واستمرارية النجاح على المدى البعيد.
عندما نفكر في الانتخابات والتغيير الذي يتطلع إليه المصريون، يجب أن ندرك أن هذا التغيير لا يبدأ فقط من السياسات أو البرامج الحكومية، بل يبدأ من الفرد نفسه. يجب أن يتطلع المصريون إلى قادة يتمتعون بمبادئ راسخة وأخلاق عالية، قادة لا يتلونون وفقًا لمصالحهم الشخصية، بل يعملون لصالح الوطن والمواطن. تغيير مصر الحقيقي يتطلب أن نختار أفرادًا ثابتين على قيمهم، يعرفون أن المال والسلطة ليسا الغاية، بل الوسيلة لتحقيق الرفاهية والعدالة.
أرى أن التغيير الذي يتطلع إليه المصريون عبر الانتخابات يجب أن يركز على تعزيز القيم والمبادئ في الحياة العامة والسياسية. يجب أن نسعى إلى بناء نظام سياسي واقتصادي يحترم القيم الإنسانية، ولا يسمح ببيع المبادئ من أجل مكاسب آنية. المصريون بحاجة إلى قادة يثبتون على مواقفهم، ولا يغيرون مبادئهم كما يغيرون سياراتهم، قادة يعملون من أجل مصر بكل إخلاص، ويضعون مصالح الوطن فوق مصالحهم الشخصية.
فالإنسان بلا مبادئ هو إنسان بلا قيمة، وعندما يتخلى الفرد عن مبادئه، يخسر نفسه قبل أن يخسر الآخرين. التغيير الذي نحتاجه هو ليس مجرد تغيير في السياسات أو القوانين، بل هو تغيير في النظرة إلى المبادئ والقيم، والتأكيد على أن النجاح الحقيقي هو النجاح المبني على الأخلاق والمبادئ، وليس على المصالح الشخصية المؤقتة. المصريون يتطلعون إلى مستقبل يملؤه الأمل والعدالة، وهذا المستقبل لن يتحقق إلا عندما يكون للمبادئ دور أساسي في حياتنا، سواء كأفراد أو كأمة.