كتب – أحمد عناني :
عقدت الجمعية المصرية للأمم المتحدة ندوة بعنوان دور الأمم المتحدة في مواجهة التغيرات المناخية في إطار حقوق الأجيال القادمة في بيئة ملائمة”، حاضر فيها الدكتور هشام بشير، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشؤون الدراسات العليا والبحوث بجامعة بني سويف، وقدمها السفير عزت البحيري، رئيس مجلس إدارة الجمعية، وأدارها الدكتور عصام الدين فرج، أمين عام الجمعية.
استعرض الدكتور هشام بشير محاضرته في أربعة محاور، وهي مفهوم التغير المناخي، ودور منظمة الأمم المتحدة في مكافحة التغيرات المناخية، ونظرة تقييمية على دور الأمم المتحدة في مواجهة التغيرات المناخية، وقام بطرح عدد من التوصيات، مؤكدًا أن تغيُّر المناخ يشكل مخاطر كبرى تهدد المجتمعات البشرية بأسرها؛ ولما له من تداعيات سلبية وتأثيرات كبيرة في شتى مجالات الحياة: البيئية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وقال إن تغير المناخ يمثل القضية الجوهرية والأكثر أهمية في عصرنا الحالي، فالآثار الخطيرة لتغير المناخ على مستوى العالم أصبحت واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، وسوف يكون التكيف مع هذه التأثيرات السلبية أكثر صعوبة وتكلفةً في المستقبل، ما لم تتخذ إجراءات جذرية عاجلة، مشيرًا إلى أنه في السنوات الأخيرة، تجسدت التأثيرات الناجمة عن تغيُّر المناخ في عدة أشكال.
من أبرزها حرائق الغابات، والسيول، والتغيُّرات في متوسط درجات الحرارة، تبعها تغيُّر في أوقات فصول السنة الأربعة، وأنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، لافتًا إلى أن فهذه التأثيراتُ سوف تتفاقم في المُستقبل، ما يُهدد بتعرض ملايين السُّكان، لاسيّما في البلدان النامية، لنقصٍ في المياه وفي المواد الغذائية، وفي الرعاية الصحية، كما ستتعرض أجزاء من سواحل هذه البلدان للغرق.
أوضح أن قضية التغير المناخي ذات طابع عالمي، لذا فإن أي جهود للحفاظ على البيئة داخل إقليم الدولة سوف تبقي محدودة الفعالية، لذلك تتطلب حماية البيئة مجهودات دولية من خلال التعاون بين كافة الدول، تكمل المجهودات الوطنية وتزيد فرص نجاحها، مشيرًا إلى أن دول العالم أدركت مدى خطورة ظاهرة التغيرات المناخية، والآثار البيئية الضارة المترتبة عليها، ومن ثم ضرورة البحث عن حلول عالمية تشترك فيها جميع دول العالم بلا استثناء.
وأن حماية الغلاف الجوي من التدهور وتعد إحدى أهم المشكلات العالمية التي تطلب مثل هذا التعاون والدعم الدولي في جميع الجوانب، كما تتطلب مشاركة الجهات ذات الخبرة في هذا المجال كالمنظمات الدولية.
أكد أن منظمة الأمم المتحدة تأتي في مقدمة المنظمات الدولية التي قامت بجهود كبيرة لحماية الغلاف الجوي ومكافحة تغير المناخ، من خلال أجهزتها الرئيسية، ووكالاتها المتخصصة، سواء على المستوى العلمي أم القانوني أم المالي أم الصحي.
مشيرًا إلى أن الاهتمام العالمي بتغير المناخ بدأ في السبعينيات من القرن العشرين، مع مؤتمر ستوكهولم 1972، الذي جمع 115 دولة لمناقشة السياسات البيئية وتقليل الفقر. تلا ذلك المؤتمر العالمي الأول للمناخ في جنيف 1979، الذي أنشأ “برنامج المناخ العالمي” لمراقبة المناخ. وفي 1985، وقعت 28 دولة على “اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون” لحماية البيئة من آثار تعديل الأوزون، تلتها صياغة بروتوكول مونتريال 1987 للتخلص التدريجي من المواد المستنفدة للأوزون بحلول عام 2040، لافتًا إلى أن اعتراف الأمم المتحدة بتغير المناخ كتهديد خطير في عام 1988 كان بمثابة طليعة الجهود الرامية إلى إنقاذ كوكب الأرض، حيث تلى ذلك في عام 1990 قرار بأن المسؤولية الرئيسية لمكافحة التلوث تقع على عاتق الدول المتقدمة. وفي عام 1992.
ومن خلال “قمة الأرض”، ظهرت للنور اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كخطوة أولى في التصدي لمشكلة تغير المناخ. واليوم تتمتع هذه الاتفاقية بعضوية شبه عالمية، وصدقت 197 دولة على الاتفاقية كأطراف فيها. إن الهدف النهائي للاتفاقية هو منع التدخل البشري “الخطير” في النظام المناخي.
أوضح أن من أبرز أدوار منظمة الأمم المتحدة لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، إنشاء الهيئة الدولية الحكومية المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) في عام 1988 وذلك تحت قيادة دولية تتولى الإعداد لاتفاقية دولية للمناخ. بالإضافة لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة بناءً على توصيات مؤتمر ستوكهولم عام 1972 والذي يهدف لتنسيق مراقبة التغيرات البيئية العالمية من خلال شبكة دولية لمراقبة الأرض، لمتابعة التغيرات المناخية والتعامل مع التغيرات الطبيعية والبشرية وتأثيراتها.
أشار إلى أن جهود الأمم المتحدة تواصلت في هذا الإطار، وأن الجمعية العامة دعت لعقد مؤتمر دولي لطرح اتفاقية دولية للمناخ في ريو دي جانيرو في شهر يونيو عام 1992، مشيرًا إلى أن دول العالم المشاركة بالمؤتمر صدقت على الاتفاقية الإطارية بشأن التغيرات المناخية، وتفاوضت بشكل دوري- سنوي – من خلال مؤتمر سُمي بمؤتمر الأطراف “Conference of the Parties”. ، وأن عدد المؤتمرات الدولية التي انعقدت لصياغة اتفاقية تغير المناخ بلغ ثمانية وعشرين مؤتمرًا؛ كان أولها في برلين بألمانيا عام 1995 وانعقد آخرها في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر ديسمبر عام 2023.
واستعرض الدكتور هشام بشير خلال محاضرته كافة مؤتمرات المناخ الـ28 التي عقدت حتى الآن، لافتًا إلى أن مؤتمر المناخ التاسع والعشرين سوف يعقد في باكو عاصمة أذربيجان، خلال نوفمبر 2024.
أوضح أن الأمم المتحدة أطلقت في 2015 خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مؤكدًا أن التنمية المستدامة والعمل المناخي مرتبطان، وكلاهما ضروري لرفاهية البشرية في الحاضر والمستقبل، مشيرًا إلى صندوق المناخ الأخضر، هو آلية مالية أُنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بهدف دعم البلدان النامية في جهودها للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره.
أضاف إن هناك أدوات قانونية للأمم المتحدة تهدف لوضع قواعد دولية ملزمة بشأن البيئة، وأن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تم إبرامها بهدف التقليل من الأضرار الناتجة عن ظاهرة تغير المناخ، ومنها: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس، والتي تهدف للاهتمام بالعمل المناخي على مستوى العالم، وإلزام الدول بتقليل انبعاثات الكربون الذي يعد المسبب الرئيسي لظاهرة تغير المناخ.
أشار إلى أنه رغم جهود الأمم المتحدة المبذولة في إطار مكافحة التغيرات المناخية، إلا أنها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب والمأمول في مجال مكافحة ظاهرة التغيرات المناخية، لافتًا إلى وجود تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، تحول دون قيامها بدور كبير في هذه القضية لعلاقة بين التغيرات المناخية وحقوق الأجيال القادمة.
أكد أنه لضمان حقوق الأجيال القادمة، يتطلب الأمر تقليص الانبعاثات العالمية بنسبة 50% بحلول عام 2030 لتحقيق هدف اتفاق باريس، بالإضافة إلى استثمار مليارات الدولارات في استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية، مثل تحسين البنية التحتية وتعزيز الأنظمة الزراعية المستدامة، مشيرًا إلى أن هذا يتطلب التزاماً عالمياً قوياً بتنفيذ سياسات فعالة تدعم الاستدامة البيئية والاجتماعية لضمان حقوق الأجيال القادمة.
وفي ختام محاضرته أوصى الدكتور هشام بشير بضرورة أن تضطلع الدول الصناعية الكبرى بمسؤولياتها في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، باعتبارها مصدرًا وسببًا رئيسيًّا لما تعانيه دول الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، وأن تتعاون الدول مع المنظمات الإقليمية والدولية من أجل مكافحة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية أو على الأقل للتخفيف من حدتها، وإيجاد طرق بديلة لكسب العيش في حال تعرض القطاع الزراعي لتأثيرات بالغة نتيجة التغير المناخي.
وطالب بقيام الدول الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية بالعمل على تكثيف الجهود من أجل التصدي للآثار السلبية لهذه التغيرات، والتقليل من حدة أبعادها الأمنية، ووضع وتعزيز سياسات التكيف عبر وضع الخطط اللازمة بالشراكة مع المجتمع، وضرورة الاعتماد على التنمية المستدامة التي تهدف لتحقيق حاجات الأجيال الحالية مع عدم إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة، من خلال المحافظة على عدم تزايد مشكلات المياه والغذاء والطاقة، والعمل على توحيد الرؤي السياسية والإعلامية والاستراتيجية بين الدول الصناعية الكبرى حول المخاطر المتعددة للتغيرات المناخية، وأن على الدول وضع سياسة إعلامية موحدة من أجل توعية أفراد المجتمع بالمخاطر والتداعيات السلبية الناجمة عن ظاهرة التغيرات المناخية.
كما أوصى بضرورة تعديل اتفاقيات التغير المناخي حتى تنص صراحة على مبدأ العدالة المناخية، وتجعله مبدأً مُلْزمًا، خاصة للدول الصناعية الكبرى، وأن تتحمل الدول المتقدمة العبء الأكبر من الدول الفقيرة في التصدي للتغيرات المناخية، وهو ما يُعرف بمبدأ المسؤولية المشتركة لكن المختلفة، وإعداد الأبحاث والدراسات التي تتناول قضية العدالة المناخية، وذلك لإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية، ووضع التصورات لتنفيذ مبدأ العدالة المناخية من أجل تحقيق أهداف هذا المبدأ، وتوضيح الحقوق المتعلقة بالعدالة البيئية في ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان، على أن يطلق على مثل هذه الحقوق مصطلح الحقوق الخضراء.