سُمي يوم الجمعة بهذا الاسم، لأن كلمة جمعة من جمع في اللغة العربية أي وحّد والتئم، ومنها الجمع والتَّجمع والاجتماع.
ففي يوم الجمعة يؤمن المسلمون أن الساعة ستقوم، وأن الله سيجمع الخلق على صعيد واحد للحساب والجزاء على أعمالهم الدنيوية.
ففي هذا اليوم خلق الله آدم عليه السلام، وفيه قُبض، وسوف تكون فيه النفخة والصعقة.
و ميّز الله تعالى يوم الجمعة وجعله مباركًا، وذكره في كتابه، وسمّيت سورة باسمه دون غيره من الأيام، فهو لا مثل له في أيام الأسبوع فهو أشرفها وأكرمها.
الشاهد والمشهود:
وقال رسول الله – صلّ الله عليه وسلم-: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» رواه مسلم، وأقسم الله به في كتابه فقال تعالى: «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ»، وفي تأويل الآية الكريمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة».
وهناك خمسة أمور حدثت في الجمعة، أولها أمر كوني عظيم، ففيه أتمّ الله خلق السماوات والأرض، إذ قال تعالى: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ»، وفي يوم الجمعة شرّف الله لآدم وذريته حدثٌ لا ينسى، كما قال –صلّ الله عليه وسلم-: «فيه – أي يوم الجمعة – خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها» رواه مسلم.
وكذلك من فضل هذا اليوم على غيره من الأيام، أن الله سبحانه وتعالى أكمل فيه الدين، وأنزل قوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» فهو يوم شرفت به هذه الأمة، فهدانا الله له وأضل عنه غيرنا.
وعن الرسول صلّ الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ – أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ – قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام).
موعد ساعة الاستجابة:
و من أحب الأعمال إلى الله أنّ في يوم الجمعة ساعة استجابة يُجاب فيها دعاء المسلم، وفي هذا ورد أكثر من حديث منه قول الرسول صلّ الله عليه وسلم «التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
السجدة .. وهل أتى على الإنسان – فجرا
وكان الرسول يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) السجدة و (هل أتى على الإنسان).
وذكر العلماء حكمة قراءة هاتين السورتين فجر يوم الجمعة:
جاء في زاد المعاد لابن القيم “أن النبي – صلّ الله عليه وسلم – كان يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمَّنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر الخليقة، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون.
و استحباب كثرة الصلاة على النبي صلّ الله عليه وسلم على وجه الخصوص، جاء الأمر بذلك يوم الجمعة وليلته من السنن الثابتة، وقد تقدم الحديث في رواية أوس بن أوس رضي الله عنه، يقول: “فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ “.
وقد أحسن ابن القيم حين أشار إلى فائدة إكثار الصلاة على النبي صلّ الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلته فقال:
“رسول الله – صلّ الله عليه وسلم – سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيام، فالصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أنَّ كلَ خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته به بين خير الدنيا والآخرة.
وأعظمُ كرامة تحصل لهم فإنها تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة.
وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيدٌ لهم في الدنيا، ويومٌ فيه يُسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم.
وهذا كلُّه إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمِن شكره وحمدِه وأداءِ القليل من حقِّه – صلّ الله عليه وسلم – أن يُكثَر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته.