سمية عبد المنعم تكتب: يدُ الله .. واللحظات الحاسمة
لم يكن الأمر منذرًا بسوء..
هكذا تحركت بتلقائية مغادرة فراشى الذى لم أكن قد توسدته، بعد يوم عمل طال.. رغم بعض الدوار الذى أشعر ببدء احتلاله رأسي.
أفكار عدة تزاحم عقلي، وتجبرنى على الانشغال بها وأنا أتلمس لقدمى موطئًا فى ظلام لم أهتم بهتكه بضغط زر الإضاءة، فما أفكر فيه كان حقا أهم.
دلفت حيث أزيح عن كفى شقاء اليوم، فتحت الصنبور وسمعت بأذنى انهمار المياه منه و..
وكان هذا آخر ما تناهى إليّ فى تلك اللحظات..
لم أشعر بشيء، ساد ظلام أكثر، لا أظنه طال، فقد أفقت على صوت ارتطام رأسى بشيء صلب جدا، فصرخت متأوهة، وإذا بالجميع متحلق حولي، يحاول ابنى استجلاء الأمر وتنظر إلىّ طفلتى بحيرة باكية.. وتقف أمى متكئة على عصاها ولا تدرى ماذا تفعل.
للحظة شعرت وكأننى فى حلم سمج، ماذا حدث؟
اكتشفت أننى أجلس بكامل ملابسى فوق قاعدة التويلت التى تواجه «الحوض»، وقد ابتلت ملابسى تماما..
فتحت عينى بصعوبة، أشعر بألم لا يطاق فى مؤخرة رأسى وجانب ذراعى الأيسر وظهري، وما زالت الأفكار تدور برأسي.. الآن بدأت أفهم..
دوار مفاجئ ثم إغماءة فسقوط، كلها حدثت فى لحظات، لكن الغريب وهو ما استدعى أن أدون ذلك فى مقال، أننى حين شعرت بدوار وحدثت الاغماءة، تهاوى جسدى للخلف ثم سقط فوق «القاعدة»، واصطدمت رأسى بشدة بالسيفون خلفي، لتتسبب تلك الصدمة العنيفة فى إفاقتى بعد لحظات…
حاول ابنى أن يساعدنى على النهوض لكنه لم يستطع، فقررت ألا أغادر مكانى إلا بعد أن أتمالك جسدى تماما، وقد كان..
تهاويت على الفراش وأنا غير مصدقة لما حدث، لم أفكر فى أسبابه طبيا ولا واقعيا، بل إن ما شغلنى حقا هو آلية ما حدث وأسبابه الميتافيزيقية التى قد لا أعلمها..
لماذا قدر الله أن تكون لحظة إغماءتى هى تقريبا نفس لحظة إفاقتي، فكان ارتطام رأسى الشديد سببا فى إفاقتي؟!
وتساءلت.. هل إذا طالت إغماءتى سيتمكن أطفالي وأمى المسنة من التصرف ومحاولة إفاقتي؟ هل سيستطيعون حملى إلى فراشي، واستدعاء طبيب؟
الإجابة واضحة.. بالطبع لا، وربما إن حاولوا مساعدتى قد أسقط من بين أيديهم لأصاب إصابة أكبر، قد تودى بحياتى مثلا..
هكذا أيقنت أن الله قد يرسل إلينا ابتلاء ليقينا ابتلاء أكبر منه، قد يصيبنا ألم نراه فى حينه عظيما «ارتطام رأسي»، ليجنبنا ألما أكبر وينقذنا من مواجهة ما لا نقدر على مواجهته، فيصبح الألم بوابتنا إلى التعافى «الإفاقة».
لندرك ببساطة أنه «لو علمتم ما فى الغيب لاخترتم الواقع»، هكذا يعلم الله ما يمكننا تحمله وما لا يمكننا تخطيه.
اعتدت هذا مع ربي، دائما أبدا أشعر بمجاورته لي، يده التى تمتد فى اللحظات الحاسمة لتنقذ ضعفى من مغبات كثيرة، هو خالقى الذى يدرك ألا مسئول سواي، وأن سقوطى لا بد له من نهاية سريعة، فلا سبيل سوى انتهائه، هكذا يتحول كل ما مررت به من ابتلاءات لمحطات لا تقيم، مهما طالت آثارها، إلا أننى فى كل مرة أنهض لأنفض عنى غبار السقوط وأمسك بأيدى أطفالى وأكمل الطريق، غير ملتفتة لألم مضى، فكل الآلام مصيرها حتما للنسيان، ولن يبقى إلا صمودنا ومسئوليتنا عمن نعول.
وكما اعتدت عقب كل ابتلاء يلهج لسانى بالحمد لله، وجدتنى أردد فى خشوع «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
نعم، الله يعلم ونحن لا نعلم، فاللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين.