عادل القليعي يكتب : مصر علمت الدنيا الفلسفة
عندما نقوم بتدريس الفكر المصري على وجه الخصوص ، والفكر الشرقي وحضارات الشرق القديم على وجه العموم ، نفخر أيما فخر أننا مصريون ، وأن حضارتنا المصرية القديمة التي يمتد عمرها إلى سبعة آلاف عام والتي سبقت نهضتها جميع حضارات الشرق القديم سواء الحضارة الصينية أو الحضارة البابلية أو الفينيقية ، نهضة في كآفة المجالات وفي كآفة العلوم ، سواء العلوم النظرية أو العلوم العملية ، فأما العلوم النظرية انظروا إلى فكرة التوحيد ، انظروا إلى فكرة البعث ، انظروا إلى العواطف الحارة والوجدان و كيفية معاملة المرأة معاملة حسنة ، كل ذالك وجدناه على جدران المعابد في ما خلفه لنا أجدادنا من آثار تشهد على نهضتنا.
مما أرق مضاجع الغرب الأوروبي ، فراحوا بشتى الطرق التقليل من شأن هذه الحضارة في ما اطلقوه من الأقوال المعجزة اليونانية الكبرى ، وأن الفكر الفلسفي خلق عبقري يوناني أصيل ، وإلى الآن يروجون إلى هذه الفرية ، إذا ليس جديدا الطعن على حضارتنا وعلى علومنا.
تارة بالتشكيك فيها وتارة أخرى بالتشويه وانا لهؤلاء ومن شايعهم لبالمرصاد.
اقرأ أيضا : عادل القليعي يكتب: الأخلاق عند كانط وحُمّى الانفلات الأخلاقي في واقعنا المعاصر
أما العلوم العملية ، فانظروا إلى كلمة كيمياء ، ماذا تعني كلمة كيمي ، الأرض السوداء ، الأرض الخصبة ، مصر العظيمة ، انظروا إلى علم الأصباغ ، الكيمياء ، الفلك ومعرفة مواسم الزراعة والحصاد وفيضان النيل ، انظروا إلى علم الحساب والهندسة وبناء الأهرامات ، حتى قوانين اسبرطه استقاها صولون المشرع اليوناني من قوانين حمورابي في اصلاحاته السياسية وتقسيم الأحزاب السياسية إلى ثلاثة أحزاب حزب البحر ، حزب الساحل ، حزب الجبل.
نعم مصر قبلة الفلاسفة ، فهل أتاكم نبأ سقراط وزيارته إلى مصر ، أم هل أتاكم نبا أفلاطون ، وهيرودوت ، وفيثاغورث الذي أخذ فكرة التوحيد من قدماء المصريين.
وبعد يا سادة ، هل يعقل أن نكون هكذا ونمنع تدريس الفلسفة من جامعاتنا وتهميشها في مدارسنا ، كيف يكون ذلك ، فى الوقت الذي تسعى فيها قيادتنا الرشيدة إلى تحقيق تنمية مستدامة وبناء جمهورية جديدة وتتحقق فيها قيم الحق والخير والجمال ، الذي لا يمكن بحال من الأحوال تحقق كل هذه القيم إلا من خلال بناء عقل إنساني رشيد نشأ على الفصيلة وتعلم معنى الخير فسعى إلى اقتناءه وتعرف على ثلة الرذائل واتقاها ، كيف يكون ذلك.
وثم سعي حثيث لوأد الفلسفة ، أليست فلسفة الأخلاق هي التي تعلمنا كل هذه الأمور ، أليست الفلسفة السياسية هي القائدة لتفكير سياسي منضبط ، أليست الفلسفة الإسلامية معنية بتجديد الخطاب الديني عن طريق توظيف فكر فلاسفة الإسلام القدامى لخدمة قضايانا الإسلامية المعاصرة.
أين المنطق من كل ذلك ، أليس المنطق هو آلة وفن للفكر المنضبط المنظم الذي يعلمنا فن التفكير ، قس على ذلك الفلسفة الحديثة والمعاصرة التي تعرفنا على فكر اساطينها كانط وديكارت واسبينوزا ، وجادامر ، ونيتشه وشوبنهاور ، وكيركجارد ، وتوماس هوبز وجون لوك ، روسو وغيرهم.
كيف بربكم نغفل هؤلاء وهؤلاء بحجة تخفيف العبء على أولياء الأمور وغير ذلك مما يثار على الساحة الآن.
الفلسفة هي التفكير ، وإذا ما توقف التفكير فلا نرجوا نهضة ولا تقدم ، وإنما سنكون ناقلين مقلدين ، فهل ترضوا يا أولي الألباب تعطيل عقولكم….
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.