يوسف عبداللطيف يكتب : الحزن الذي لا يزول
عندما فقدت أبي، وقفت أمام الكفن، وكانت نظرتي غريبة ومخيفة في آنٍ واحد. شعور لم أختبره من قبل، لحظة تجمد فيها الزمن، وكأنني أعيش في بُعدٍ آخر.
في تلك اللحظة، كنت أرى الحياة من منظور مختلف. الناس من حولي كانوا في شغلٍ شاغل حول تفاصيل الدفن .. متى وأين، وهل المدفن جاهز؟ بينما كانت أفكاري تائهة في أبعاد الخسارة.
لم أستطع أن أصدق أنني لن أرى وجهه مرة أخرى، أو أنني لن أستمع إلى صوته الذي كان يشبه صوت الأمان لي.
كيف سأعيش دون ضحكته التي كانت تضيء أيامي؟ تلك الأفكار تتلاطم في رأسي، وكأنها تمزقني. حاولت أن أملأ تلك الفراغات في نفسي بسيل من الذكريات، لكن كل ما كنت أشعر به هو الخواء.
تملكتني رغبة غريبة في أن أمد يدي، وأن أرفع الكفن عن وجهه، ربما لأراه مرة أخرى. لكنني أدركت أن ذلك مستحيل، وأن الوقت قد حان للاحتفاظ بذكراه في قلبي. “ادع له ولا تبكِ” كان هذا هو النصيحة التي تعكس مشاعر من حولي، لكن كيف يُطلب مني أن أتجاهل هذا الوجع الكبير؟
استمررت في البحث عنك في عيون الأخرين، عسى أن أجد بصيصًا من الأمل، لكن كان الإحباط يزداد.
كانوا جميعهم يحزنون، لكني كنت أختنق أكثر، أشعر كما لو كنت في حلمٍ سيئ لا ينتهي. كنت في حالة من الإنكار، وكأنني في عاصفة من الفوضى الداخلية.
الكلمة الوحيدة التي كانت لي كالسوط في ذلك الحين: “بابا مات”.. هل من الممكن أن يكون هذا حقيقيًا؟ تلك الكلمة كافية لاستبدال الفرح بالحزن، وضياع الذكريات.
وفي لحظات الوداع المروعة، أدركت أن الفراق ليس مجرد خسارة عضوية، بل هو فقدان جزء من الحياة ذاتها.
هذا الشعور الحزين بالصمت والفراغ سيبقى معي، ذكرى لا تُمحى، ولكن في ثنايا كل الألم، أجد القوة لأحتفظ بما تعلمته منه، لأعيش بين الذكريات، ولأكون دومًا الابن الذي يُعبر عن حبه، حتى لو كان بعيدًا.
فقدان الأب تجربة مؤلمة تترك خنجرًا في القلب لا يمكن نسيانه. أي إنسان فقد أباه يعرف تمامًا ذلك الحزن العميق الذي يتغلغل في روحه، مهما حاولت الأيام أن تجلب الفرح.
“ربنا يرحمك يا بابا يا أبا يوسف”، هذه الكلمات تتردد في ذهني كترنيمة حزن أحتاجها لأعبر عن مشاعري.
أفتقدك كثيرًا، وضحكتك وصوتك ما زالا يعيشان في ذاكرتي.
أزور قبرك وأنت وامي، لأشعر بحضوركما، كأننا نجلس سويًا كما كنا. في تلك اللحظات، أتمنى أن أحتضنك مرة أخرى، أن أسمع نصائحك ومشورتك.
إن الحزن يلازمني، ولكنه يحمل معه أيضًا حبًا دائمًا. أدعو لكما بالمغفرة والرحمة، وأسأل الله أن يجعل مثواكما الجنة، ويجمعنا على خير في الآخرة. نلتقي مجددًا، حيث لا فراق بعد اليوم.
اقرأ أيضا : يوسف عبداللطيف يكتب : الفساد في قصور الثقافة .. تطهيرٌ غائب في مشهد ثقافي مُعَوَّج