يوسف عبداللطيف يكتب : الفساد في قصور الثقافة .. تطهيرٌ غائب في مشهد ثقافي مُعَوَّج
يمثل الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة أحد أكبر التحديات التي تُواجه الثقافة المصرية، حيث تجد جذور هذا الفساد تتغلغل بشكل عميق في الأعماق المتعددة لهذه المؤسسة.
وإن كلمة “الفساد” لم تعد مجرد مصطلح عابر، بل أصبحت صدىً يردد في أروقة يغزوها الإهمال والركود.
منذ أن تولَّى الدكتور أحمد فؤاد هنو حقيبة وزارة الثقافة، أطلق الوزير على عاتقه مهمة صعبة هي إعادة هيكلة الوزارة بشكل مدروس. اتخذ نهجاً جديداً يُعتمد فيه على اختيار القيادات المحلية ورؤساء الهيئات بناءً على معايير الإبداع والكفاءة، لكن للأسف لا تزال آثار الفساد السلبية تطغى على هذه الجهود.
توجيهات الوزير كانت واضحة: الانخراط في استكشاف الهياكل الفعلية للعمل وكشف القصور العميق الذي يعاني منه قسم الثقافة؛ ولكن، ويا للمفاجأة، اصطدم بواقع مُؤلم يتمثل في الفساد المُنظَّم الذي يعصف بمجالات الثقافة والفنون.
إن هذا المشهد يطرح سؤالاً حيوياً: كيف يمكن للثقافة المصرية أن تنهض وتزدهر بينما تظل هناك عقبات تحجب ضوء الإبداع والنمو؟ التحدي الحقيقي اليوم هو ضرورة مواجهة الفساد، ليس فقط كمشكلة إدارية، بل كقضية حقيقية تتعلق بمستقبل الثقافة المصرية وهويتها.
إذاً، لا بد من استجابة شجاعة لمواجهة الفساد الذي ينخر عميقًا في عظام الهيئة العامة لقصور الثقافة، وحتى يتحقق ذلك، سيظل التطهير غائبًا، وسيظل الإبداع محاصرًا في ظلٍ من الركود والإهمال.
فعبر نظرة ثاقبة وعميقة، يبرز وزير الثقافة التحديات الحقيقية التي تعصف بالهيئة العامة لقصور الثقافة، تلك التحديات التي ترجع، في جزء كبير منها، إلى إهمال العاملين وبيروقراطية الأداء المقيتة. لكن الأخطر من ذلك هم أولئك الذين غرقت أقدامهم في خضم التلاعب والمصالح الخاصة، مما ساهم في تحقيق مكتسبات غير مشروعة تُعزز الفساد وتبقيه قائمًا.
ومع كل هذه العراقيل، يصبح الرهان على الإصلاح داخل مؤسسات الدولة هدفًا شاقًا يتطلب إرادة حقيقية وعزيمة لا تتزعزع، تتجاوز كل العقبات. فكيف يمكن للثقافة أن تُزهر في بيئة ملوثة بالفساد، بلا شجاعة لفعل ما هو صحيح؟
لنتقدم بخطوة إلى الأمام: لتحقيق الفائدة المرجوة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وإعادة الحيوية إلى القطاعات الثقافية المتنوعة، يجب أن نكون على قدر عالٍ من الجدية في اجتثاث الفساد بكافة أشكاله وصوره.
إن التطهير ليس مجرد إجراء شكلي، بل يستدعي رؤية استراتيجية واضحة للعمل. لذا، ينبغي على وزير الثقافة وفريقه اتخاذ خطوات فعّالة لتعزيز الشفافية والمحاسبة، فليكن معيارهم هو الفعل الفعلي الموثوق.
لكن المسألة لا تتوقف هنا؛ يجب أن تُحدَد النقاط التي من شأنها فتح نوافذ جديدة من الأمل في الحياة الثقافية. وهذا يعني أنه في حال تمكنا من استئصال الفساد، ستظهر ثمار العطاء والتقدم، وسيستعيد هذا الوطن روح الثقافة والإبداع التي تسكن عقول وقلوب أبنائه، بعيدًا عن شبح الفساد الذي أضعف بنيانه وجعله يتهاوى.
إن هذا هو الوقت المناسب لنصنع الفارق، ونجعل من الثقافة سبيلاً للنمو والتطور، من خلال خطة مُحكمة وشجاعة تتبناها القيادة. فالمستقبل ينتظر أولئك الذين يمتلكون الجرأة على مواجهة التحديات وتحطيم القيود.
تدعو الحاجة اليوم الجميع، بلا استثناء، إلى رفع الصوت عاليًا والاتحاد صفًا واحدًا في مواجهة الفساد المستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة. إن المناداة بتحقيق الإصلاح تتطلب تفعيل الآليات اللازمة للتحرك الجماعي الفعال.
المجتمع الثقافي في مصر يحق له أن يحظى ببيئة نظيفة تُدعم المواهب وتحتفل بها، بدلاً من أن تُغلق الأبواب في وجه طموحات الأجيال الجديدة بسبب فساد إداري أو دبلوماسي من أي جهة كانت. يجب أن تكون فضاءات الثقافة عامرة بالإبداع، لا محاطة بالعوائق.
لن يتحقق للتطهير الحاضر الغائب إلا من خلال جهود جماعية، تتضافر فيها الإرادة السياسية مع عطاء المثقفين والفنانين الذين يشكلون الأساس القوي للحركة الثقافية. إن مسؤوليتنا المشتركة تتطلب عزيمة متناغمة من الحكومة والمجتمع المدني، لنُثبت أن الفساد ليس له مكان بيننا.
وعندما نعزم على التوجه نحو القضاء على الفساد، سيكون السبيل الوحيد لضمان مستقبل ثقافي مشرق لمصر، حيث يعود المواطنون إلى حقهم في المعرفة والفن، بعيدًا عن كل غبار الفساد الذي عانينا منه لعقود. فلتكن هذه دعوة لإحياء روح الإبداع والمشاركة، لنصنع غدًا أفضل قائم على الشفافية والإخلاص.