إبراهيم الدراوي يكتب لـ « 30 يوم» : هجوم استراتيجي على السيادة الفلسطينية وحل الدولتين يفضح التوسع الاستيطاني الإسرائيلي

يكشف التوسع الاستيطاني العنيف الذي تقوده الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو في الضفة الغربية المحتلة منذ يناير 2023 عن استراتيجية متعمدة لترسيخ مشروع استعماري يقوض السيادة الفلسطينية ويدمر أي أمل بحل الدولتين.
هذه السياسة، التي تتم بدعم أمريكي ثابت، ليست مجرد رد فعل على ضغوط سياسية داخلية أو تصعيد مؤقت، بل جزء من خطة منهجية لخلق حقائق على الأرض لا رجعة فيها، تعيد تشكيل الواقع الديموجرافي والجغرافي لفلسطين، وتكرس نظام فصل عنصري.
منذ يناير 2023، أقرت حكومة نتنياهو إنشاء 50 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية على أربع مراحل، بزيادة 40% مقارنة بالحكومات السابقة، حتى منتصف 2025، أُعلن عن 41،709 وحدات استيطانية جديدة، نصفها تقريبًا في عام 2025 وحده، وهو رقم قياسي لم يُسجل حتى في ذروة التوسع الاستيطاني بين 2017 و2022.
ووفقًا لتقارير منظمات مثل السلام الآن والأمم المتحدة، وثّق وجود 214 بؤرة استيطانية حتى نهاية 2024، منها 66 أُقيمت خلال الحرب الأخيرة على غزة، مما يعكس تصعيدًا متعمدًا خلال فترات تشتت الانتباه العالمي.
تشير التطورات الأخيرة إلى استمرار هذا الاتجاه. في يوليو 2025، أقام المستوطنون بؤرة سادسة قرب أريحا، مصحوبة باحتلال منزل فلسطيني ومصادرة أعلاف المواشي، في إشارة إلى تكثيف جهود تهجير المجتمعات الفلسطينية.
في غور الأردن، أُعلن عن 24،000 دونم كـ”أراضي دولة”، وهي خطوة قانونية لإضفاء الشرعية على الضم التدريجي، مما يقطع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
استغلال وأجندات المتطرفين
المشروع الاستيطاني ليس مجرد استيلاء على الأراضي، بل أداة سياسية يستخدمها نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون المتطرفون، مثل إيتمار بن غفير وبيزاليل سموتريتش، لتعزيز الدعم الداخلي. تُسوَّق المستوطنات للجمهور الإسرائيلي كـ إنجازات أمنية وتنموية، لتصوير التوسع الاستعماري كجهد وطني.
هذه الخطابات فعالة بشكل خاص مع اقتراب الانتخابات المبكرة المحتملة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع شعبية حزب الليكود بعد الحرب، على الرغم من التحقيقات الجارية ضد نتنياهو.
وبالتالي، يُعد التوسع الاستيطاني خطوة محسوبة لتعزيز قاعدة الناخبين اليمينيين، مع دعوات وزراء من الليكود إلى ضم الضفة الغربية فورًا.
تتجلى هذه الاستراتيجية في هدم 1،238 مبنى فلسطينيًا منذ 2023 بحجة عدم الترخيص، مقابل هدم 84 مبنى استيطانيًا فقط، مما يكشف عن معايير مزدوجة صارخة، هذه الهدم، إلى جانب عنف المستوطنين وغارات الجيش، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ومحو وجودهم، كما يتضح من تهجير أكثر من 40،000 فلسطيني في شمال الضفة الغربية.
تواطؤ وصمت عالمي
تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية كبيرة عن تمكين تصرفات إسرائيل. على الرغم من التعبير العرضي عن القلق، تواصل واشنطن تقديم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي غير المشروط، ما يعني تأييدها الفعلي لانتهاكات إسرائيل.
وفي عام 2019، أعلنت الولايات المتحدة أن المستوطنات الإسرائيلية لا تتعارض مع القانون الدولي، وهو موقف شجع على مزيد من التوسع. حتى بعد حكم محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 بأن سياسات الاستيطان واستغلال الموارد غير قانونية، لم تفرض الولايات المتحدة أي تدابير ملموسة، واكتفت ببيانات رمزية.
يفاقم هذا التواطؤ صمت المجتمع الدولي. بينما أدانت الأمم المتحدة والجامعة العربية تصرفات إسرائيل، بما في ذلك انتهاكها لاتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل لعام 1974 من خلال التعدي على الأراضي السورية، إلا أن الإجراءات الملموسة مثل العقوبات لا تزال محدودة.
فرضت دول مثل بريطانيا وكندا عقوبات على أفراد مثل بن غفير وسموتريتش بسبب عنف المستوطنين، لكن هذه الإجراءات لم توقف المشروع الاستيطاني الأوسع. يسمح غياب الضغط الدولي الفعال لإسرائيل بالعمل دون عقاب، وهي واثقة من أن تصرفاتها لن تواجه تداعيات جدية.
تبعات إقليمية وعالمية
التوسع الاستيطاني له تبعات عميقة تتجاوز فلسطين. من خلال تجزئة الضفة الغربية إلى جيوب معزولة وُصفت بأنها: فسيفساء من الجدران الإسمنتية والبؤر المسلحة، تقضي إسرائيل فعليًا على إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة.
هذه السياسة، مع تدمير البنية التحتية والحياة الفلسطينية، كما يتضح من هدم المنازل وتقييد الحركة عبر أكثر من 1،000 حاجز، تهدف إلى ترسيخ حالة دائمة من الخضوع.
على الصعيد العالمي، أثار التصعيد احتجاجات وتحديات قانونية، مثل دعوى جنوب إفريقيا في 2023 أمام محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة.
مع ذلك، يستمر غياب آليات دولية قابلة للتنفيذ في عرقلة المساءلة. الدفاع الانتقائي للولايات المتحدة عن حقوق الإنسان صاخب في أماكن أخرى وصامت تجاه إسرائيل، يقوض مصداقية القانون الدولي ويعزز شعور إسرائيل بالحصانة.
التوسع الاستيطاني الإسرائيلي هو هجوم متعمد على حقوق الفلسطينيين وآفاق السلام، مدفوع بأيديولوجية استعمارية ومدعوم بدعم أمريكي.
بعيدًا عن كونه سياسة عفوية، فهو جهد محسوب لتثبيت السيطرة على الأراضي المحتلة، يُسوَّق كنصر سياسي للناخبين اليمينيين المتطرفين في إسرائيل.
إن فشل المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حاسمة يديم هذه الدورة من الإفلات من العقاب، تاركًا الفلسطينيين لتحمل وطأة مشروع يسعى لمحو وجودهم وطموحاتهم. بدون تدخل ذي مغزى، ستستمر آلة الاحتلال في إعادة تشكيل مستقبل فلسطين، مستوطنة تلو الأخرى.