عادل القليعي يكتب: الأخلاق عند” كانط “وحُمّى الانفلات الأخلاقي في واقعنا المعاصر
فلسفة الأخلاق تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه سلوك الانسان، فسؤال فيلسوف الأخلاق ما الضوابط والمعايير التي تضبط سلوك الإنسان أخلاقيا.؟
الإنسان بما هو كذلك يجمع بين جانبين أحدهما: ماديا،يحب أن يمارس نشاطاته الحياتية من مأكل ومشرب وملبس وتكاثر وهذه أمور مقومة ورئيسة لحياته.
والجانب الآخر : الجانب المعنوي الذي يحلق به في فضاء رحب واسع بعيدا عن نزعاته المادية عالم يريد خلاله أن يحقق ذاته يحقق إنسانيته جانب يعلي فيه قيمه الروحية التي تجعله يحيا سعيدا منشرح الصدر،متصالحا مع ذاته بل وينعكس ذلك علي تعامله مع محيطه وبيئته التي يعيش فيها.
ذهب كانط في تعريفه للواجب إلى القول، أن الواجب الأخلاقي هو اتيان الفعل الذي يقوم به الإنسان دون انتظار نتائجه،بمعني ضرورة عدم ربط الفعل بما يترتب عليه من نتائج،نضرب مثالا علي ذلك،الممرضة أو الطبيب الذي يؤدي عمله يؤده علي اكملغ وجه دون انتظار ثناء من أحد أو شكور.
لأن الواجب الأخلاقي يحتم عليه فعل ذلك-وهذه عقلانية صارمة سنري بعد قليل هل تصلح مع مجتمعاتنا التي نحياها-ليس هذا وحسب بل وضع كانط عدة قضايا ينبغي أن يسير عليها الإنسان في أخلاقه أهمها لابد أن يجئ الفعل الأخلاقي الذي يقوم به الإنسان بوازع من احترام الواجب،ليس هذا فقط بل يتحتم أن تأتي نتائجه متطابقة مع الواجب الأخلاقي.
أضف إلي ذلك تفرقة كانط بين القاعدة والمبدأ، فالقاعدة شخصية نقطة انطلاق ينطلق منها كل واحد نحو غايته وهدفه.
أما المبدأ فهو عام مطلق ينبغي أن يلتزم به الجميع في أخلاقهم وفي معاملاتهم وهو احترام الواجب الأخلاقي.
وعليه يفرق كانط بين الأوامر والأفعال المشروطة والأفعال المطلقة.
فالأمر المشروط هو ربط الغاية بالوسيلة من أراد الغاية أراد الوسيلة، إذا ذاكرت نجحت، إذا أعددت نفسك جيدا لخوض -مثلا الانتخابات- أصبحت سياسيا بارعا.
وهو ما يرفضه كانط ربط الفعل بما يترتب عليه من نتائج.
أما الأوامر المطلقة فهي التي لاترتبط بنتيجة الفعل، بل الإنسان يفعل الفعل من أجل احترام مبدأ الواجب كأن مثلا نقول كن صادقا،كن شجاعا ،كن كريما،كن ودودا،من أجل الواجب الأخلاقي يحتم عليك فعل ذلك لا من أجل غاية أو مأرب.
كأن يصادق إنسان إنسان أخر لا من أجل مصلحة ولا منفعة يجلبها له وإنما يصادقه من أجل الصداقة لذاتها من أجل احترام قيم الصداقة والصديق ، لا من أجل منفعة توماس هوبز الفردية تحقيق المصلحة التي تحقق مايسمي بالسعادة السلبية مصلحتي قبل كل شيئ ولا من أجل الأنانية المسرفة.
ولا حتي من أجل ذوبان الفرد في المجموع من خلال ما يسمي بالمنفعة العامة عند جيرمي بنثام أو جون ستيوارت مل اللذين أرادا إخضاع الفعل الأخلاقي وإقامته علي أسس تجريبية.
إذن فلسفة كانط الأخلاقية تقوم علي الأوامر المطلقة وليست المشروطة،لكن ماهي القواعد التي وضعها لإقامة مذهبه الأخلاقي.
القاعدة الأولي : قاعدة الغائية،اعمل أو افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية ممثلة في شخصك أو أي شخص آخر كغاية لا مجرد وسيلة وهوبذلك يرفض فكرة الغاية تبرر الوسيلة.
القاعدة الثانية: قاعدة التعميم ،افعل بحيث يكون فى استطاعتك أن تجعل من قاعدة تصرفك قانونا عاما يشمل الطبيعة.وهذا يقودنا إلى سؤال مهم هل يستطيع أن يفعل الإنسان ذلك وهل سيلتزم الجميع حتى وان التزمت أنت.
القاعدة الثالثة : قاعدة الحرية،اعمل بحيث تكون إرادتك بمثابة مشرع يسن للناس قانونا عاما .
وتنص هذه القاعدة على ضرورة خضوع الإنسان للقانون العام المطلق،قانون الأخلاق احترام الواجب ،لكن هل نستطيع أن نحقق ذلك.
تلك هى عقلانية كانط الصارمة في إقامة وبناء صرح الأخلاق بناء عقليا صرفا.
لكن هل الإنسان بما هو كذلك يستطيع أن يخضع لهذا الجفاء العقلي،هل يستطيع أن يتحرر بكليته من جانبه المادي،هل يستطيع أن يتخلي عن أنانيته بالكلية من أجل الآخر،هل يستطيع أن يحيا تحت قانون أخلاقي صارم يفرض عليه ضوابط وقيود تجعله جامدا متحجرا؟!.
من منا لايريد أن يثني عليه أو يذكر بالخير والثناء إذا قام بعمل ما يستحق عليه المدح والثناء.
تلك هى طبيعة الإنسان يحب أن يشار إليه بالبنان،يحب أن يحمد ويذكر بل ويخلد ذكره في الآخرين.
أري أن الصواب هو أن نعمل بوازع من احترام الواجب نعم ونحمد ذلك لكن في نفس الوقت إذا قدم لنا ثناء أو تقاضينا أجرا عما نقوم به حتى لو بالكلمة الطيبة نقبل ذلك ،بل الثواب والمكافأة تجعلنا نستزيد من فعل الخير ونحترم الواجب الأخلاقي بل ونتمادي في احترامه.
وكما ذكرت سابقا.
أن الإنسان خير بطبيعته يقدم علي فعل الخير طواعية وبمحض إرادته،لكن عليه أن يكون في المنتصف لايميل بالكلية إلى ماديته،ولا يميل بالكلية إلى روحانيته ،وإنما يحاول قدر استطاعته أن يوفق بين هذين الجانبين عند طريق الوسط العدل المحمود.
وهذا على ما أعتقد سيخفف من حمى الإفراط والانفلات الأخلاقي في واقعنا المعاصر.
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
اقرأ أيضا – عادل القليعي يكتب: محمد عبده و جارودي
اقرأ أيضا – عادل القليعي يكتب .. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترسيخ للقيم الخُلقية