كُتّاب وآراء

رانيا عاطف تكتب: بأي معنى يمكن أن يكون التقدم؟

الباحثة رانيا عاطف

“قولولي أيه في المواد الأدبية مفيد هذه الأيام.. أيه الاستفادة من دراسة التاريخ ثلاث سنوات.. بلاش شعارات وخلونا في اللي بيأكل عيش… ويجيب تقدم.. فلسفة ومنطق هيعمل الطالب بيهم أيه.. آخره يدور يبقى مدرس”

كانت هذه العبارة السابقة لأحد إعلامي مصر، حيث أثار هذا القول جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي منذ يومين، مما دفع كثير من المفكرين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي للرد على هذا القول وإظهار أهمية دراسة العلوم الإنسانية إلى جانب دراسة العلوم الطبيعية بالنسبة للطالب؛ إلا أنني هنا أتساءل: إذا كان هذا القول السابق لهذا الإعلامي مدفوعًا برغبة في تحقيق التقدم، فما هو التقدم؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ وهل التقدم المقصود هو التقدم في العلوم الطبية؟ أم تقدم الهندسة بمختلف فروعها؟ أم قُصد بهذا التقدم “تقدم العلوم التكنولوجية”؟ أو ربما قُصد بهذا التقدم اقتصار معناه على دراسة المقررات العلمية فقط دون المقررات الأدبية!!!

ولتفصيل الرأي… لاشك أن كلمة تقدم تعد أكبر من أن تُختزل إلى جانب تعليمي بعينه أو دراسة مقرر دون غيره.

ولنتخيل نحن الحال: كيف سيكون فكر هذا الطالب الذي لم يسبق له دراسة تاريخ بلده، أو جغرافيا وطنه أو لم يعلم شيئًا عن بعض العوامل التي أثرت في تشكيل مسار العالم، وماذا عن فكر هذا الطالب نفسه الذي ربما سيصبح طبيبًا أو مهندسًا مثلًا فيما بعد ولم يعلم شيئًا عن التراث الاجتماعي والثقافي الخاص بمجتمعه؟

وماذا عن فكر هذا الطالب الذي يأخذ كل ما يقال له كمسلمات، دون نقد أو تحليل لأنه لم يتعلم الفلسفة؟ وكيف له أن يستطيع تفسير السلوك الإنساني إن لم يسبق له دراسة علم النفس؟ وعلى أي المبادئ والأسس الأخلاقية سيسير في حياته العملية؟

فلنتخيل حال مجتمع يتخرج فيه جيل بلا هوية، جيل أشبه بروبوتات Robots تنفيذية، جيل لا يعمل العقل الذي يميزه عن غيره من الكائنات، جيل لا يعرف حدود وطنه الجغرافية وسماته المناخية.

ترى… هل سيتقدم هذا المجتمع في ذلك الوقت أم سيتأخر؟

ربما لا حاجة لنا الآن لإظهار أهمية العلوم الإنسانية لأن أهميتها واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار، ولا مجال للشك فيها، ولكن الذي أرادت كاتبة هذه الأسطر التأكيد عليه هو أنه لا يمكن تحقيق التقدم دون تكامل جانبي العلم معًا، فبالتكامل بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ترتقي الأمم وتُحقق تقدمها.

 اقرأ أيضا– الباحثة رانيا عاطف تكتب .. لمن المستقبل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى