سمية عبد المنعم تكتب : الاحتواء .. والتواصل الصامت!
فى لحظات الاحتياج تنسحب قوة النفس ليبرز على السطح الضعف البشرى، ذلك الضعف الذى إما أن ينجح صاحبه فى التغلب عليه وتوجيه ذاته للانشغال بما يفيدها ومن ثم التجاوز، أو الانسحاق تحت قسوة الأمل فى الآخرين، والذى فى تلك الحالة قد يخيب.
كثيرون لا يعون معنى الاحتواء، كيف تكون لديه القدرة على احتواء الآخر، والتربيت على ضعفه، لا يعون كيف يصبحون فى الجوار أقرب وليس أكثر غربة وابتعاداً.
والاحتواء فى معناه الأعم لا يعنى البقاء والالتصاق بالآخر، بل معناه أن تجيد الحضور، وتتقن الاقتراب، وهو ما لا يتأتى بالكلمات ولا الاهتمام وحدهما، فالاحتواء هو الشعور بالأمان والتواصل ولو كان صامتاً وتوارد الخواطر وابتسامة الرضا التى تغنى عن كثير الكلام، هو الإحساس بالآخر ولو لم يعبر عن مكنون نفسه، فقط أنت تشعر بما لم يبح به لأنه أقرب إليك من حبل الوريد، هو ذاتك الأخرى.
ولأن كل شعور هو فى حقيقته رزق الله لعباده، فإن قدرة شريكك أو صديقك على فهمك واحتواء ذاتك هو رزق الله الجميل لك، ولأن الأرزاق متفاوتة بين الناس، فما أوتى أحدهم قد لا يتأتى للآخرين، لذا فإن القليل من بيننا من منحه الله «نفحة» احتواء الآخر، وملكة ضم مشاعره، أما الأغلب الأعم فإنهم غير ملومين، فلم يصبهم رزق الله الواسع فى قلوبهم المنزوية على أنفسهم.
وعليه يكون عبء الاحتواء منسحبا عليك، فإما أن تكون أنت الطرف المحتوِى، ربما باحتوائك لغيرك تخلق قوة دفع جديدة لذاتك المشتاقة للاحتواء، ليصبح بذلك فاقد الشىء يعطيه وبشدة.
أما إذا اخترت الانعزال عن الآخرين، فإن الحل هنا يكمن فى محاولتك احتواء ذاتك بذاتك، نعم، فلا أقدر على فهمك سواك، ربما استطعت أن تصل لذروة الصحوة، وتتكشف عن نفسك ما لم تكن تدركه، وربما تجلت لك نقاط قوة ولحظات حماس تدفعك للأمام أكثر مما مضى.
فها هو هال ستون يقول فى كتابه «فن احتواء الذات»:
(ما زئيرُ الصحوة؟ هو كلحظة التنوير التى نكتشف فيها أكثر مما نعتقد عن أنفُسنا).
وذلك الكشف الأعظم إنما يؤهلنا لخطوة أهم، وهى التوفيق بين العقل والقلب، ليصبح منهج كليهما واحدا، وليس ثمة تعارض بينهما، هنا وهنا فقط يمكنك أن تنطلق.
فمثلما أوضح يونج أن (لكل وجه من أوجه حياة الإنسان العقلية وجها مقابلا له…، فإن الجوهر الحقيقى للعقلية الإنسانية هو الصدام بين هذه القوى المتعارضة؛ لذا علينا السعى للتوفيق بينها، إذا ما تعرفنا بهذه القوى وسعينا للتنسيق بينها وأوجدنا تآزراً بينها فإننا سنكون راضين مشبعين).
وتلك نقطة محورية فى رحلة التعرف على الذات واكتشافها، الوصول للحظة الرضا والتشبع بأنفسنا، بأنفسنا فقط، لأنها هنا تقودنا للهدف الأسمى، وهو مبدأ التخلى، التخلى عن الاحتياج للآخرين، التخلى عن انتظار محاولاتهم معك، عن الأمل فى التفاتهم لما تحتاج، والاكتفاء بذاتك خير رفيق وصديق وشريك، هو أفضل اكتفاء وأقوى داعم على الإطلاق..
وإذا ما استطعت الوصول باحتواء ذاتك واكتشافها للحظة التخلى، وقتها فقط ستحقق السعادة الداخلية لذاتٍ تستحق أن تفرح بعيدا عن الآخر.