د. حمادة شعبان يكتب .. متبقاش شخص مؤذي لأن في لحظة ممكن متبقاش موجود
“متبقاش شخص مؤذي لأن في لحظة ممكن متبقاش موجود”… عبارة بسيطة خرجت من قلب زينة شباب جيله من الرياضيين المرحوم اللاعب “أحمد رفعت” ابن قرية “إبشان”، مركز “بيلا” محافظة “كفر الشيخ”، ورددها لسانه في أخر لقاء تلفزيوني له مع الإعلامي “إبراهيم فايق”.
اجتاحت هذه العبارة مواقع التواصل الاجتماعي عقب وفاة “رفعت” الخلوق، فحركت القلوب وأسالت الدموع وتسامت على الانتماءات الكروية، في مشهدٍ يؤكد قوة النزعة الإنسانية عند شبابنا وفتياتنا، رغم ما تتعرض له هذه النزعة من محاولاتٍ لإخفائها والقضاء عليها ــ عمدًا أو جهلًا ــ من قِبل بعض من يُطلقون على أنفسهم “صناع محتوى”، وهم في الحقيقة صناع محتوى قاسي يدمر العلاقات الإنسانية عن طريق تمييع قيم التسامح والتماس الأعذار وترسيخ مفاهيم التجاهل وقصف الجبهة وغيرها من المفاهيم الغريبة عن مجتمعنا المعروف بتدينه.
لقد انبرى الشباب بعد انتشار خبر الوفاة على مواقع التواصل يشاهدون لقاء “رفعت” الأخير، ويحللون ما قاله، ووقفت كثير من الحسابات على جملة أنه ـــ رحمه الله ـــ تعرض لضغوط شديدة ساهمت في تعبه وتوقف قلبه في المرة الأولى التي تعافى منها، وهو أمر أكده كذلك طبيبه المعالج، حيث ذكر أن “رفعت” من الأشخاص الذين لديهم استعداد للإصابة بتصلب الشرايين المبكر نتيجة الحزن والضغط النفسي.
وهذا أمر مهم للغاية، يجب على الجميع الوقوف عنده وأخذ العبرة والخبرة منه، ونقلها للأبناء والبنات حتى يستطيعوا التعامل مع المجتمع وتحمل الضغوط دون الإضرار بسلامهم النفسي. ومخطئ من يظن أن المدرسة وحدها أو الجامعة يمكن أن تعلم الأبناء كل شيء، بل يحتاج الأبناء أن يتعلموا في بيوتهم كيفية التعامل مع مجتمع المدرسة والجامعة.
ومن هنا أوصي الأباء والأمهات أن يعلموا أبنائهم أن المجتمع الخارجي لا يختاره الإنسان بل يُفرض عليه، وأن الإنسان لا يستطيع تغييره، لكنه يستطيع التعامل معه بحكمة وحنكة. علموا أولادكم أن المجتمع الخارجي به الصالح والطالح، وأن عليهم أن يقتربوا من الأشخاص ذوي المروءة الذين يتحلون بأدب جم يمنعهم عن إيذاء أي شخص ولو بكلمة أو ذلة لسان. علموهم أن القوة الحقيقية في عصرنا الحالي الذي كثر فيه الحديث عن المناظرات وقصف الجبهات هي أن يمتلك الإنسان حالته النفسية، وأن يكون ــ قدر المستطاع ــ هو المسيطر عليها، ولا يسمح لأحدٍ قط مهما بلغ حقده وسواد قلبه أن يعكر صفوه أو يضغط عليه نفسيًا أو يثنيه عن تحقيق أحلامه وآماله.
علموهم أنه ليس من الرجولة في شيء أن يتسبب شخص في إيذائك نفسيًا ثم يذهب هو إلى بيته وأهله سعيدًا ضاحكًا، وتعود أنت إلى أهلك وبيتك حزينًا باكيًا.
علموهم أن لا ينشغلوا كثيرًا بمن يفتري عليهم ويسعى لإيذائهم، فمثل هذا يُسمى باغيًا، وقد جرت سنة الله في خلقه بأن هذا الباغي تدور عليه الدوائر ويُعجل له بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة.
علموهم أن ينتبهوا جيدًا للشخص النرجسي، فهو لا يتودد لأحدٍ إلا إن أراد إيذائه، ولا يقترب من أحدٍ إلا عندما يضمر له الأفخاخ ويخطط لإسقاطه.
علموهم أن الشخص النرجسي إن كان قلبه مفعم بالحقد والحسد والغرور، فإن لديه من الجبن والخوف أضعاف تلك الصفات سالفة الذكر، ومن ثم يستطيع الشخص الذي لديه قليل من قوة الشخصية كبح جماح النرجسي وإيقافه عند حده بنبرة صوتٍ حادة أو نظرة عين مخيفة، وهذا من فضل الله على خلقه.
علموهم أن يحولوا المحن إلى منح والضغط إلى عمل واجتهاد ونجاح، فهذا هو الرد الأقوى على النرجسي الحاقد الذي يضمر الشر لهم. علموهم أن أحد أهداف النجاح ــ وليس كلها ــ قد يكون كبت الظالم والمؤذي ليموت بغيظه وتُشفى صدور الطيبين.
علموهم أن سلوك النرجسيين والمؤذيين مخالف للفطرة الإنسانية، ولتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يحترم الكبار ويعطف على الصغار وينصر الضعيف والمظلوم ويتدخل بنفسه لصد الخطر عنهم.
ذكروهم دائمًا بكلمة “أحمد رفعت”: ” متبقاش شخص مؤذي لأن في لحظة ممكن متبقاش موجود”.
رحم الله “رفعت” وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كاتب المقال – مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف