سمية عبد المنعم تكتب .. أبقتني على قيد الحياة
مازلت ها هنا، فى منطقة البين بين، تلك التى تجمع بين الوجود وعدمه، ولأنها ملاذ الملاذ، فقد نهرع إليها من فراغ أو حيرة أو إحباط، فنجد بين ضفتيها مرسى أرواحنا، وأمان خوفنا.. هكذا هى الكتابة والإبداع..
دائما ما تنبع نصائح من حولى من تلك النقطة بالتحديد.. افزعى إلى قلمك، فرى إليه، فمعه وبه وإليه يكون الخلاص.. فهل حقا ما يقولون؟
منذ عامين مضيا، عندما ألمت بى صدمة فقدان هزت جنبات روحي، لم أجد سوى الكتابة رفيقًا، ومنقذًا من رغبة فى الانتحار، فرحت أكتب وأكتب، أغلقت بابًا من المواساة لو كنت تركته لما أنجزت شيئا، فأحيانا لا يعى الرفاق أنك بحاجة للاختلاء بنفسك أكثر من عبارات مهدهدة قد تعيدك إلى شعور الفقد الأول ولحظته الأقسى.
هكذا ألقيت جرحى وراء ظهرى ورحت أكتب، أذكر كيف أن دموعا كانت تغرق السطور قبل أن تسودها الكلمات، فكنت أسرع بتجفيفها وأكتب، قبل أن تنهمر أخرى، وعندما فشلت فى الاحتفاظ بالقلم بين إصبعين يرتجفان انفعالا، وجدت فى التسجيل الصوتى حلا فعالا، فكنت أسجل ما أريد كتابته على هاتفى المحمول، يغمر الصوت نشيج ونهنهات ولحظات صمت كنت أقاوم خلالها ألا أتوقف وأعود لحزني، هكذا أنجزت خلال الثلاثة شهور الأولى من عمر حزنى كتابين، أراهما أهم وأقرب ما كتبت، ومنذها أدركت أن فى الكتابة دواءً لآلامي… هكذا أبقتنى الكتابة على قيد الحياة والأمل، فتحققت بى ومعى مقولة بوكوفسكى «الكتابة تبقينا أحياء»..
ترى فهل تفعلها معى اليوم؟
كما أنه ليس دواء كل الأمراض واحدًا، فليست كل الجروح يمكن تخطيها بالوسيلة ذاتها، وعليه أعترف أن الكتابة ما عادت ناجعة الآن، قد تهدئ من بعض الجرح لكنها أبدا لا تشفيه، ولا تخفى أثره، ولا تنسينا لحظات معاناته، خاصة إن كانت تلك الآلام غير معروف مصدرها، ولا مسبب محددا لها، هى من داخلنا، طفت بفعل أحداث وظروف قدرية، قد تكون نتيجة تواترات وتكالب لآلام مضت، ربما…
لكنها على كل حال صارت عصية على أن تمحى بفعل القلم، فلا قصة أو قصيدة أو حتى خاطرة أو مشروع إبداعى ما قادرًا على التغيير من ذلك الشعور الأقسى باللاشيء، الشعور بالاقتراب من نقطة النهاية، دونما حزن، نعم، أنتظرها كما أنتظر حبيبا طال غيابه، وكأنها المخلص الأوحد من كل ما لا أجد له دواء.
فهل تفعلها الصداقة؟
بعيدة أنا عن كل صداقة منذ فترة لا أعلم مداها، وأنا، تلك التى لا تستطيع الحياة بدون صديق يسمع ويعى ويقدر، وحين يتحدث يسبق تفهمه عقله.. فهل افتقادنا لصديق بالجوار يفعل بنا تلك الأفاعيل؟ لا أظن..
معجونة هى الأسباب بشعور الضياع، تاهت بين كثير من تفاصيل الأوجاع، وعليه فقد تاهت معها وسائل الخلاص..
أنتظر الآن لحظة من اثنتين؛ إما خلاصًا أبديًا، أو سكونًا واستسلامًا، حتى لو لم أستطع الوصول لأسباب التوهة، فما عاد البحث عن السبب هدفًا بالنسبة لي.