كُتّاب وآراء

محمد خراجة يكتب : 4 جنيهات لإذلال المواطن

محمد خراجة

يسألونك عن رغيف الخبز، قل هو القوت الذي يقتات به الإنسان؛ ليبقي حيًا؛ إذ لا تخلو مائدة في مصر من رغيف الخبز الذي هو أكثر متطلبات الشعب المصري من الطعام، والأكثر أهمية لديه؛ لذلك أطلق عليه المصريون “العيش” من المعيشة أو العيشة، وكأن لسان حالهم يقول : “تستحيل العيشة أو الحياة دون رغيف الخبز”.

تسعي كل أسرة منذ القدم لتوفير احتياجاتها من رغيف الخبز، والتأمين بمخزون احتياطي من القمح لتوفير احتياجات البيت منه. وهذا موجود في تاريخ مصر منذ هبوط الإنسان على ضفاف النيل، كما هو مكتوب على جدران المعابد وفي البرديات، كما أن قصة سيدنا يوسف – عليه السلام- تشهد على ذلك.

لرغيف الخبز المدعم قصة طويلة بدأت منذ عام ١٩٤٢، منذ أن سعت الحكومة حينها لمساعدة المواطن في توفير الرغيف والتغلب على ارتفاع الأسعار؛ حيث مرت قصة رغيف الخبز بعدة مراحل، كانت الأولى عندما تدخلت الحكومة لدعم رغيف الخبز للتخفيف عن المواطن؛ فكان سعره مليمين ووزنه أكثر من ٢٠٠جرام، ثم المرحلة الثانية في عام ١٩٤٨ ليصل سعره إلى نحو ٥ مليمات مع تخفيض وزنه إلى ١٩٠ جرامًا.

وفي المرحلة الثالثة عام ١٩٦٨ أصبح سعره واحد قرش مع تخفيض وزنه إلى ١٥٥ جرامًا، ثم المرحلة الرابعة في عام ١٩٨٤؛ حيث أصبح سعره قرشين دون تقليل الوزن.

وفي عام ١٩٨٨ رفعت الحكومة سعره إلى ٥ قروش مع تقليل الوزن إلى ١٣٠ جرامًا، ثم في عام ٢٠١٤ تم تقليل الوزن إلى ١٢٠ جرامًا دون زيادة في السعر.

وفي عام ٢٠١٦ تم تقليل الوزن إلى ١١٠جرامات، ثم في عام ٢٠٢٠ قلَّ وزنه إلى ٩٠جرامًا دون تحريك السعر؛ حتى جاءت المرحلة الأخيرة في عام 2024 لترفع الحكومة سعره إلى ٢٠ قرشًا دون تخفيض الوزن.

وكان على الحكومة قبل أن ترفع سعر الرغيف، أن تصلح أولًا منظومة الدعم، فالمشكلة لا تكمن في دعم الرغيف، وإنما في كيفية إدارة الدعم ومعرفة أين يذهب الدعم الذي لم يستفد منه كثيرون من أفراد الشعب، بل يذهب إلى الشركات وأصحاب المخابز، وليس المواطن.

ومنذ سنوات طويلة، يجري المواطن وراء الرغيف ويعاني ذلًا للحصول عليه؛ بالانتظار في طوابير طويلة، علاوة على سوء تصنيعه، وعدم التزام المخابز بالوزن.

وتستهلك مصر من القمح 19.5 مليون طن سنويًا؛ حيث تستورد نحو 50% من حجم الاستهلاك؛ لتصبح هي الأولى عالميًا في استيراده، بقيمة 3.8 مليار دولار.

والذي دعاني للكتابة عن رغيف الخبز المدعم، ما تردده الحكومة باستمرار بأنها تدعم المواطن للحصول عليه؛ ففي الموازنة العامة للدولة ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ يبلغ إجمالي دعم رغيف الخبز نحو 91.5 مليار جنيه موزعة كالتالي: 83.6 مليار جنيه لدعم الرغيف، و5.4 مليار جنيه لدقيق المستودعات، و 2.5 مليار جنيه لدعم نقاط الخبز.

وبقسمة مبلغ دعم رغيف الخبز البالغ 83.6 مليار جنيه علي نحو61 مليون مواطن مقيدين في بطاقات التموين، يكون نصيب الفرد من دعم الرغيف 4 جنيهات في اليوم ليصل دعم الفرد بنحو 120 جنيهًا في الشهر.

وبقسمة إجمالي دعم الخبز شاملًا دعم دقيق المستودعات ونقاط الخبز، يكون نصيب المواطن 420 قرشًا في اليوم.

وفي موازنة ٢٠٢٤ / ٢٠٢٥ يبلغ دعم رغيف الخبز 98.5 مليار جنيه موزعة كالتالي: دعم الرغيف من الأفران بنحو 90 مليارًا و757 مليون جنيه، ودعم دقيق المستودعات بنحو 5 مليارات و248 مليون جنيه، ودعم نقاط الخبز بنحو مليارين و46 مليون جنيه.

والأرقام التي ذكرناها من البيان المالي، وهو تقديري غير مؤكد في الإنفاق الحقيقي؛ لأنه في البيان المالي مبالغة تستخدمها الحكومة للتضخيم بأنها تدعم المواطن، بينما البيان الختامي أو الحساب الختامي هو الأساس المصروف فعليًا للإنفاق على الدعم.

وهذا يعني أنَّ الدعم الحقيقي الذي يُقدَّم للمواطن لا يتم الإعلان عنه؛ لأن الحكومة لا تميل إلى إظهار حقيقة الدعم الذي هو الأساس- وأقل كثيرًا من المعلن- ؛ كون الموازنة غير نهائية، بل تقديرية لما سيتم إنفاقه.

إنَّ البيان المالي متغير تقديري تعلن عنه الحكومة لترسيخه في أذهان الناس، ويتكرر باستمرار على مدار العام على لسان المسئولين، وتُعمل له زفة إعلامية دون مناقشة أو تحليل، بينما البيان الختامي الذي هو الأساس لعمل المقارنة،  لا يتحدث عنه الإعلام؛ لأنه يُظهِر حقيقة الدعم دون تضخيم.

إنَّ السبب الرئيس وراء رفع سعر الرغيف المدعم هو تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، والذي يأتي ضمن قيام الحكومة -طوال السنوات الماضية- بتخفيض الدعم عن بعض السلع والخدمات التي تُقدَّم للمواطن؛ ما يعني تحولًا في العقد الاجتماعي بينها وبين المواطنين المتلقين للدعم، بل والسير في طريق إلغاء هذا العقد نهائيا.

ولم تدرك الحكومة تبعات رفع سعر الرغيف المدعم على الأسرة المصرية؛ إذ أدى إلى ارتفاع أسعار المخبوزات كافة، خاصةً أننا في بلد لاينقصه الجشع والاستغلال.

إنَّ ارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات التي تمس حياة المواطنين وأقواتهم اليومية تترك أثرًا سلبيًا في نفوسهم، وتُشعِرهم بالإحباط؛ حيث التناقض الرهيب بين الآمال التي تبث في النفوس أنَّ غدًا أفضل، وبين الارتفاع المستمر في أسعار كل شيء، علاوة على أنَّ معظم أفراد الشعب من الفقراء ومحدودي الدخول؛ ما يعني عدم قدرتهم على المواءمة بين الدخول الثابتة والأسعار التي أصيبت بالجنون لغياب الرقابة؛ ما جعل الفجوة هائلة بين الدخول والمصروفات، والتي تمزق القلوب وتكسر النفوس.

ويمكن القول إنَّ رفع سعر الرغيف المدعم من 5 قروش الي  20 قرشًا يضر كثيرًا من أفراد الشعب، ليس من يحصلون علي الرغيف المدعم، وإنما من يشترون الرغيف غير المدعم الذي كانت الزيادة فيه 50 قرشًا ودون وزن محدد؛ لأن الرقابة غائبة؛ ما يتيح لكل مخبز البيع وفقًا لما يحدده هو.

إنَّ الحكومة تدعم المواطن الذي يحصل على الرغيف بنحو 4 جنيهات يوميًا وتعمل على إذلاله ليل نهار بهذا المبلغ، بينما لا ترى غضاضة في رفع حصيلة الضرائب من 260.3 مليار جنيه في موازنة ٢٠١٣/٢٠١٤ إلى نحو تريليون و530 مليار جنيه في موازنة ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤، ومن المتوقع أن ترتفع في الموازنة المقبلة إلى نحو2.3 تريليون جنيه؛ أي إن الحكومة تذل المواطن بأربعة جنيهات، على الرغم من أنه هو الممول والدافع للدعم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى