عادل القليعي يكتب .. أيها الخطباء … الكلمة مسئولية
الكلمة مسؤولية وشهادة لقائلها أمام الله تعالى ، فإن قالها بحقها رفع بها مكانا عليا ، والعكس إن قالها زيف وزور وبهتان فقد تهوي به في النار والعياذ بالله
لا أطلق الأحكام على عواهنها ، ولا أصدرها معمما إياها فإن ذلك يفقد المقال مصداقيته ومشروعيته ، وإنما عندما أناقش موضوع ما فثم دوافع كثيرة تدفعني دفعا إلى الحديث عنه، منتهجا منهجا إصلاحيا متمثلا في قوله تعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله).
ولحبي الشديد لبلدي وحرصي عليها وحرصي على أوقافنا وأزهرنا الزاهر أن يكونا مطمعا للطامعين من النيل منهما ومن أئمتهما، فقد يكون واحد غير مؤهل للخطابة فيتصيدوا له الأخطاء ويعمموها على الجميع، وهذا دأب بعض المستشرقين وممن لا ينتمون للدين الإسلامي الذين لسان حالهم يقول، أنظروا إلى أئمة المسلمين وخطبائهم ماذا يقولون من خرافات وخزعبلات تتنافى مع العقل الكيس الفطن- نحن لا ننكر المعجزات معجزات الأنبياء عليهم السلام جميعا، ولكن المعجزات المروية فى كتب السير الحقيقية وليست الموضوعة وضعا والمدسوسة دسا.
فالخطباء ثلاثة أصناف: الصنف الأول: إما مموه مسفسط يقلب الحق باطلا والباطل حقا ويبدي من طرف اللسان حلوة ويجمع الناس حوله بل وتتعلق به القلوب، فلو سمع أحد من الناس أن فلانا سيلقي درسا أو خطبة جمعة فى المكان الفلاني سيشد إليه الرحال، وهذا حال السفسطائية قديما وحال بعض شيوخ الفضائيات.
الذين ليس لهم هم ليلا ونهارا إلا السب والشتم والطعن على الأئمة الثقاة والتشكيك في الكتب الصحاح، والاتيان بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان دون علم ودون وعي ودراية، أو بعلم وظفوه توظيفا خاطئا للنيل من المعتقد.
وحال خطباء الجماعات المتطرفة التي تستقطب عقول الشباب وتضرب على وتر حساس ألا وهو نريد الإصلاح، نريد النهضة للبلاد ورفع شأن العباد، وتسمع منهم معسول الكلام، ولكن وراء هذا الكلام بلاءات كثيرة، وراءها إرهاب وازهاق الأرواح وتخريب الدور العامرة بأهلها.
أما الصنف الثاني، فأولئك الذين ينتمون إلى المدرسة التقليدية الكلاسيكية التلقينية السماعية، وهذا وصفي الخاص لهذا الصنف، أولئك الذين استقوا معلوماتهم عن طريق الحفظ والتلقين والسماع دون سند صحيح اللهم إلا بعض الأحاديث الموضوعة التي تفتقر إلى الدليل الشرعي.
أولئك الذين يعتلون المنابر بحكم وظيفتهم وبحكم شهادتهم التي حصلوا عليها، ألا يدري هؤلاء وأمثالهم أن هذا المنبر وهذا المحراب هو منبر رسول الله وأنهم وكلاءه فى التبليغ.
تجلس لتستمع إلى الخطبة لا ترابط للموضوع، لا لغة سليمة، لا استشهاد بحديث أو بآية قرآنية أو سند صحيح، والمستمعون إما نائمون بعد أسبوع عمل طويل وكأن خطبة الجمعة استجمام لهم واسترخاء تحت المكيفات في حر الصيف، أو يتدفئون على زفير أنفاس بعضهم البعض في برد الشتاء. وإما ينظرون إلى بعضهم البعض متعجبين مما يقوله الخطيب من فريات وشبهات وتقولات على رسول الله.
وإما مهللين بأعلى أصواتهم فرحين بما يقوله الخطيب، وإذا أخذك الفضول وسألتهم على ماذا كنتم تصيحون وتهللون، تجدهم صم بكم عمي.
ألا يعلم أمثال هؤلاء الخطباء أن خطبتهم للجمعة درس وخطاب توعوي وتوجيه للحضور ودرس في فقه التربية والعبادات والمعاملات.
ألا يعلم هؤلاء أن كل كلمة يذكرونها ستكتب إما لهم أو إما عليهم وسيسألون عنها أمام الله تعالى، بل والطآمة الكبرى أن كل الحضور مسؤول منهم أمام الله تعالى.
أما الصنف الثالث، فهو الصنف الواعي المستنير القارئ الجيد، الحافظ لكتاب الله العامل به وأتمنى أن يكثر أمثال هؤلاء، تجلس تسمعهم وأنت مطمئن القلب، تجلس وعيناك مفتوحتان مركزا معه، لماذا لأن خطبته لا هي بالطويلة المملة ولا هي بالقصيرة المخلة، موضوعها واضح، عبارته سليمة، لغته ونحوه منضبط، استشهاداته اسناداتها صحيحة، تخريجه للأحاديث دقيق.
خطبته رصينة متماسكة يمسك بطرفي الموضوع يبدأ من أوله إلى أن ينتهي لآخره.
لكن يؤخذ على بعض منهم مناقشة قضايا خطيرة على المنبر مثل تجديد الخطاب الديني، أو يشرح درس في فقه المواريث، أو فقه المحيض، أو مناقشة قضايا تمس الأمن القومي للبلاد، أو تناول الذات والصفات وإثبات وجود الله، والنبوة بين مؤيد ومنكر.
أقول لهؤلاء الأكارم، خطبة الجمعة جامعة لكآفة صنوف المسلمين، الإنسان البسيط عامي الإيمان، والمثقف، والمفكر، فلابد أن يكون خطابك أيها الخطيب وسطيا بمعنى أن تتحدث فى الرقائق، الجنة، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، سيرة الصحابة للاهتداء بهم والاقتداء، وانصح كذلك في خطب الجمع والمناسبات الإكثار من الترغيب في الدين وذكر الجنة، وعدم الإكثار من النار والترهيب، لأن ذلك قد يكون سلاح ذو حدين، أما أن ينفر الإنسان من دينه، أو يستغرق بالكلية في العبادة ويترك الدنيا بما فيها على ما فيها وهذا ما نهى عنه الدين.
أما الموضوعات الفقهية والتعليمية فلها دروس وحلقات العلم لمن يريد أن يتعلم ولمن يريد أن يفقه.
وبعد عرضنا لهذه الأصناف الثلاثة فعلى من تقع مسؤولية إعداد الدعاة، بالضرورة المنطقية نقول على الكليات الأزهرية ومعاهد إعداد الدعاة، فلا يكفي أن تخرج شيخا يلبس الزي الشريف الذي لبسه العلماء المجددون الحقيقيون أمثال شيخنا مصطفي عبد الرازق، والطهطاوي ومحمد عبده، وعبد الحليم محمود، وشيخنا جاد الحق، وعالمنا الجليل الشعراوي، وشيخنا حسن الشافعي، وشيخنا محمود شلتوت ومحمد الغزالي، وشيخنا محمود فرغل شيخ إخميم الذي كان يتحرى الدقة في كل كلمة يقولها.
لا يكفي أن يحمل شهادة جامعية، وإنما ما وراء الشهادة الأهم، دورات تدريبية مستمرة لهؤلاء، ومتابعة دؤوبة من الأوقاف، من أحسن يثاب ومن أخطأ يوبخ ويعاقب، فلا ينبغي بحال من الأحوال أن يترك الحبل على غاربه، فمن أمن العقاب أساء الأدب، والأدب هنا مع الله والرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم إذا لم يبلغوا ما أمرهم به الله ورسوله فقد اسأوا في حمل الأمانة، أمانة الدعوة.
ومن هنا جاءت دعوة رئيس الجمهورية إلى إعداد إمام وخطيبها واع مستنير يتفهم فقه الواقع ومستجدات العصر ، ويوظف علمه الشرعي وفقهه لخدمة الدعوة ولخدمة الدين بفهم واع لصحيح الدين دون شطط.
وفي هذا الكفاية لمن سبقت له العناية.
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.