توبكُتّاب وآراء

جمال أبو الفتوح يكتب : ” أنا جاى من طرف فلان”

جمال أبو الفتوح

لا أحد يعلم بالضبط متى بدأ وباء الواسطة فى مصر،ولكن الأكيد أنها تمكنت من التغلغل إلى درجة كبيرة فى دول العالم الثالث بشكل عام ،وليس فى بلدنا فقط ،فهو وباء يقترن عادة بالفشل الاقتصادى والإجتماعى والسياسى, بل أنه قد يصبح جزءا من الموروث الثقافى للأمم المنكوبة بالواسطة ،و نمط مألوف من أنماط التعامل اليومى للبشر,فهم لا يدرجون التعامل بالواسطة ضمن لوائح العيب أو الحرام الخاصة بهم، بل إن البعض يعتبرها البديل الشرعى للرشوة ،واعتاد الناس على مسألة استخدام العلاقات الشخصية أوالسلطة أوالنفوذ للحصول على فرص أوموارد أوخدمات دون اعتبار للكفاءة أوالاستحقاق.

” أناجاى من طرف فلان” جملة افتتاحية يرددها الملايين كل يوم لإنجاز معاملاتهم على أكمل وجه سواء كانت تافهة أو مهمة .

حتى عند الاتصال بعامل الصيانة لإصلاح عطل فى السباكة أو الكهرباء تبدأ المحادثة معه  بـ  ” أنا جاى من طرف فلان حبيبك “، وتسمع كل يوم عن أنماط عديدة من ”  الواسطة ” فى مختلف المجالات سواء فى تعامل الناس مع الأجهزة الحكومية أو فى تعامل بعضهم ببعض وأغلبها تهدف إلى تجاوز طوابير الانتظار أو الفوز بخدمة أو سلعة تميزك عن التعساء الذين لا يملكون الواسطة.

ومن أغرب قصص الواسطة التى سمعتها مؤخرًا من أحد الأصدقاء أنه اشترى صك الأضحية من إحدى الجمعيات الشهيرة .. فسألته كيف يتعامل معهم مرة أخرى بعد أن خدعوه العام الماضى. وأرسلوا له قطعة سيئة من اللحم نصيبه من الأضحية ، وكانت لا تصلح للاستهلاك الأدمى، فرد قائلا : الحمد لله وجدت واسطة لشخصية مهمة فى الجمعية سيرسل لنا قطعة لحم مميزة هذا العام .!!

ولم أتعجب كثيرا لأن الواسطة تغلغلت فى الأمور الدينية والعبادات منذ فترة طويلة وخاصة فيما يتعلق بفريضة الحج والحصول على التاشيرة والخدمات المميزة أو السفر مع البعثات الحكومية.. الخ

ومن أشهر أماكن استخدام الواسطة فى مصر أجهزة المحليات ومكاتب التأمينات و وحدات تراخيص السيارات وغيرها من الأجهزة الحكومية التى تتعامل مع كثافة عددية كبيرة يوميًا والغرض غالبا يكمن فى تجاوز دور الآخرين أو الضغط على الموظف المتكاسل لينجز مهمته سريعًا.

ويتداول العامة عادة فى جلساتهم الخاصة العديد من القصص الغريبة حول تجاربهم مع الواسطة وأحيانا تصبح الواسطة مادة للتفاخر بمدى قوة نفوذ الشخص وقدرته على إنجاز المهام بما لديه من اتصالات.

أما فى الدول المتقدمة فإنهم يعتبرون الواسطة نتاج طبيعى لغياب القانون والنظام فهي تحول دون تحقيق الكفاءة الاقتصادية وتشجع على تفضيل العلاقات الشخصية على حساب المهارات والكفاءات.

ولذلك وجب القضاء عليها لأنها تتسبب فى الشعور بالظلم والإحباط لدى من يعتمدون على النظام العادل للوصول إلى الفرص والموارد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى