كُتّاب وآراء

صبري حافظ يكتب .. تخفيف الأحمال أفضل يا صديقي !

صبري حافظ

سألنى صديقى يبدو أن هناك موجة جديدة من الأسعار حيث لمّح رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بزيادة فى الخبز والكهرباء والبنزين، وبعد أن وعدتنا الحكومة نهاية رمضان الماضى بتخفيضات فى الأسعار بعد عيد الفطر تصل إلى 30% وجدنا أنفسنا نغرق فى بحر من لهيب الأسعار دون رقابة أو اهتمام بموظف غلبان أو متقاعد على المعاش راتبه 3 أو 4 آلاف جنيه!

قلت له، حكومتنا رحيمة بنا يا صديقى، كانت تنتوى زيادة أسعار الكهرباء منذ بداية تخفيف الأحمال وفضلته عن الزيادة فى الأسعار، فقد يتحمل أغلبنا انقطاع الكهرباء ساعتين لكنه لا يتحمل أسعار الشرائح المرتفعة التى تصيب بـ سكتات قلبية ودماغية، رغم أن سكتات لهيب الحر لا تختلف كثيرًا عن صدمات قفزات الأسعار وشرائح الكهربا الملتهبة!

اتهمنى صديقى بالتعاطف مع الحكومة، فذكَّرته بمقال نشرته قبل عام تقريبًا تحت عنوان “الفيلسوف نيتشه.. و أزمات المصريين” لكن الأمور زادت سوءًا.. وكان هذا نصه:

تذكرت مقولة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتش .. “الحَيّة التي لا تُغير جِلدُها تُهلك، وكذلك البشر الذين لا يُغيرون أفكارهم يُهلكون” بعد توالي الأزمات التي يعاني منها المواطن المصري ونحن جميعًا ندور في حلقة مفرغة.

لم تكن أزمة انقطاع التيار الكهربائي الوحيدة التي فجرت الغضب والاستياء في الشارع المصري باختلاف فئاته” غنيه وفقيره، مثقف أوأُميّ ،كبير أو صغير” وهو مؤشر جد خطير حتى ولو كان الموقف سينتهي خلال فترة محددة.

ما أزعج المصريون فُجائية الأزمة والتي وضعت الحكومة  في حرج كبير، ومحاولة الهروب من مواجهة الرأي العام، ولم يخرج البعض للكشف عنها وتركوا لنا تخمينات وشطحات بين “غاز أومازوت” ووصل تفكير البعض إلى أن هناك مشكلة في حقل ظهر للغاز، ولم تتدخل الحكومة إلا عندما زادت التساؤلات وارتفعت وتيرة الغضب في محاولة للتخفيف من حالة الغليان.!

تجاهل المسئولين للأزمة زاد من وتيرتها حيث تضاربت التصريحات والتحليلات والتخمينات، وهذا في حد ذاته مشكلة لصاحب القرار وكشف للمواطن العادي غياب الرؤية وعدم الدراية بحدوث أزمة مقبلة وهي مصيبة تكشف سلبيات تتخطى معاناة المواطن من الانقطاع اليومي” مرتين” لمدة ساعة إلى التأثير السلبي وتوابعه.

تضاعف الأزمة ساعة بعد أخرى وغياب المسئول الكاشف عن مسبباتها بشفافية جعل بعض الفضائيات تنقل الأزمة بصور مختلفة، وزاد السخط غياب نواب الأمة عن أزمة تواجه الأمة المصرية في مُسألة الحكومة، والكثيرون بدأوا يربطون بين مصر أم الدنيا ودول مجاورة قريبة وبعيدة تعاني الأمرين من ميليشيات وحروب ولا ينقطع فيها التيار الكهربائي..!

واندهشت عندما استضافت “قناة العربية” ذات المشاهدة المرتفعة ،نائبة برلمانية وعضو لجنة الطاقة بالمجلس خلال عشر دقائق “مداخلة” قضت” النائبة” ثلثي المساحة الزمنية ثناءً على الحكومة والقرارات التي اتخذتها في نفس اليوم بدلًا من شرح أسباب الأزمة وتطورها وانتقاد الحكومة التي لم تقرأ المشهد وتتوقع أسوأ الظروف للأزمة قبل حدوثها واتخاذ خطوات لمنعها أو تقليل آثارها السلبية.

أزمات عدة توالت وكشفت عن معاناة المواطن البسيط بعيدًا عن أزمة الحرب الأوكرانية وكل شعوب العالم تعاني من آثار هذه الحرب المجنونة ولكن بنسب مختلفة ومنحتنا درسا مهما في كيفية سد الفجوة الغذائية من القمح بشتى الطرق خاصة أن هذه الحرب ستترك آثارًا مدمرة على التربة الأوكرانية وبعض المناطق في روسيا لاستخدام أسلحة سامة مثل القنابل العنقودية وغيرها ” القاتل” وتجعل حبوبها مُسببة لأمراض سرطانية شرسة.

مشكلة دول العالم الثالث أن حكوماتها غير قادرة على محاصرة الأزمات واحتوائها وترويضها ، وتحويل التنمية الاقتصادية وأرقامها إلى تنمية حقيقية يشعر بها المواطن وإحداث هيكلة إدارية للجهاز الإداري للدولة وتحوله من جهاز مترهل لفّعال مثلما هو الحال في الدول المتقدمة وكيف يصبح آلة تضيف بقوة للاقتصاد المصري.

المواطن البسيط يمثل مايزيد عن نصف سكان مصر لايفهم في أرقام التنمية ،ونسبة النمو السنوي ،والميزان التجاري ، والدخل القومي ، والاحتياطي النقدي ،وزيادة الصادرات عن الواردات،كل مايهمه دخله الشهري وهل سيمد يده للتسول مع الأسبوع الأول من الشهر من عدمه بعد غياب الرقابة على الأسواق.

وأتذكر ونحن في مرحلتي الإعدادية والثانوية كان مفتشو التموين يمرون على الأسواق والمحلات ويتم القبض على “التاجر” الغشاش أوالذي يبيع بأزيد من التسعيرة ويحرر ضده قضية ويسجن.

سنوات تحمل فيها المواطن تضاؤل راتبه الشهري الذي تلتهمه نيران الأسعار وتخريج أولاده بامتياز مع مرتبة الشرف والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة ودون عمل، جالسون في البيوت يبكون حالهم وما آلوا إليه حتى دمرتهم الأمراض النفسية والبدنية والتي امتدت لرب الأسر عطفًا على معاناة فلذات أكبادهم..!

وفي وسط الأزمات المتتالية لاتوجد حتى الأن رؤية حقيقية وخطة ناجزة لاحتواء شبح الزيادة السكانية والتي تهدد المجتمع بانفجار حقيقي يأكل الأخضر واليابس رغم أن الأزمة الاقتصادية وماتعانيه الأسر قلّل من فرص الزواج وارتفاع أعداد المطلقات والعوانس..!

وبعض الدول استفادت من هذه الزيادة السكانية وتحويلها لجوانب إيجابية ، ومازالت الرؤية عندنا غير واضحة، و دون خطط علمية، وزاد الطين بلّة عدم وجود قيود على الحدود لتقليل الآثار المترتبة على فيضان اللاجئين وتقنينها، والدول الأوروبية المتقدمة والخليجية الأغنى شغلها الشاغل تأمين حدودها من خلال اشتراطات تحفظ حقوق مواطنيها وسلالتها وحالتهم المزاجية، وأحياء كاملة في المدن والمحافظات المصرية نسب اللاجئين تزيد عن المواطنين أنفسهم.!!

نحن في حاجة لثورة فكرية ورؤية غير تقليدية ووضع الأيدي على المرض لتشخيصه والعلاج المناسب وإلا سنكون مثلما قال الفيلسوف “نيتشه” مجرد رقم غير فاعل..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى