الدكتور كريم نفادي يكتب .. الإمام الرازي .. فخر الدين
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الرازي، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي، فريد عصره، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها: تفسيره الكبير والذي جمع فيه علومًا شتى، وهو كبير جدًّا لكنه لم يكمله، وشرح سورة الفاتحة في مجلد، ومنها في علم الكلام المطالب العالية، وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وكتاب تحصيل الحق، وفي أصول الفقه المحصول والمعالم، وفي الحكمة الملخص وشرح الإشارات لابن سينا وشرح عيون الحكمة وغير ذلك، وشرح أسماء الله الحسنى، وشرح الوجيز في الفقه للغزالي، وله مختصر في الإعجاز، ومؤاخذات جيدة على النحاة، وله في الطب شرح الكليات للقانون، وصنف في علم الفراسة، وكل كتبه ممتعة، وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، وأتى فيها بما لم يسبق إليه وانشغل الناس بها.
وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والفارسي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام.
ذكر فخر الدين في كتابه الذي سماه تحصيل الحق أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر، ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على إمام الحرمين أبي المعالي، وهو على الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وهو على الشيخ أبي الحسين الباهلي، وهو على شيخ السنة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهو على أبي علي الجبائي أولا ثم رجع عن مذهبه ونصر مذهب أهل السنة والجماعة.
وأما اشتغاله في المذهب الشافعي فإنه اشتغل على والده، ووالده على أبي محمد الحسين ابن مسعود الفراء، البغوي، وهو على القاضي حسين المروزي، وهو على القفال المروزي، وهو على أبي زيد المروزي، وهو على أبي إسحاق المروزي، وهو على أبي العباس بن سريج، وهو على أبي القاسم الأنماطي، وهو على أبي إبراهيم المزني، وهو على الإمام الشافعي.
ويقال إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في علم الكلام، ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والاعتقاد، فأخرج من البلد، فقصد ما رواء النهر، فجرى له أيضًا هناك ما جرى له في خوارزم، فعاد إلى الري، وكانت له منزلة عند شهاب الدين الغوري صاحب غزنة، فبالغ في إكرامه والإنعام عليه، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب، ولم يبلغ أحد منزلته عنده، ومناقبه أكثر من أن تعد، وفضائله لا تحصى ولا تحد.
كانت ولادة فخر الدين في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين، وقيل ثلاث وأربعين وخمسمائة، بالري. وتوفي يوم الاثنين، وكان عيد الفطر، سنة ست وستمائة بمدينة هراة، ودفن آخر النهار في الجبل المصاقب لقرية مزداخان، رحمه الله تعالى، وكانت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلاميذته تدل على حسن العقيدة، جاء فيها:
يا إله العالمين أني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلك ما مر به قلمي أو خطر ببالي فاستشهد علمك، وأقول إن علمت مني إني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بي ما أنا أهله وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقرير ما اعتقدت أنه هو الحق وتصورت أنه الصدق فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في الزلة، فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينتقص بخطأ المجرمين، وأقول ديني متابعة محمد سيد المرسلين وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما، اللهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات ويا راحم العبرات ويا قيام المحدثات والممكنات
أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت: أنا عند ظن العبد بي، وأنت قلت: أمن يجيب المضطر إذا دعاه، وأنت قلت: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم وأنا المحتاج اللئيم، وأعلم أنه ليس لي أحد سواك ولا أجد محسنا سواك وأنا معترف بالزلة والقصور والعيب والفتور فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت وعند الموت وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت وخفف عني نزول الموت ولا تضيق علي بسبب الآلام والأسقام فأنت أرحم الراحمين.
وأما الكتب العلمية التي صنفتها أو استكثرت من إيراد السؤالات على المتقدمين فيها فمن نظر في شيء منها فإن طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام وإلا فليحذف القول السيئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر واعتمادي فيه على الله تعالى.
الدكتور كريم نفادي يكتب .. القلب في الحديث النبوي : المقلوب لغة