كُتّاب وآراء

السفير مدحت القاضي يكتب .. ما بين “تكوين” و “بيان”.. ياعقلي لا تحزن

[أولاً: من حيث الشكل]:

(١) تجديد الخطاب الديني (بمعني التنقية والتطوير) كان وسيظل مطلب حيوي، و جوهري، في كل زمان، و مكان.

(٢) سبق للسيد رئيس الدولة أن جاهر بذلك المطلب.

(٣) سبق لفضيلة شيخ الأزهر أن أظهر عدم إرتياحه.

(٤) لكن تبقي من البداية مُلاحظة جديرة بالاهتمام وبالأهمية، وهو أن حديث التجديد والتطوير هذا تم توجيهه فيما يخص الدين الإسلامي فقط دون أدني إشارة إلى الدين المسيحي أو اليهودي، علي الرغم من أن الماضي والحاضر يشهد ويزخر بالكثير من تطرفات وتجاوزات وإرهاب “البعض” من أصحاب هاتين الديانتين!.

(٥) كما وأنه لن يجرؤ أصحاب “تكوين” ولا “بيان” أن يتطرقا إلى ذلك الأمر!.

(٦) وبالتالي، يكون الأمر من بدايته ليس فحسب قاصراً وليس شاملاً، بقدر ما يُعطي في تقديري مرةً أُخري للأوساط الغربية والأمريكية في أن تربط بين التطرف والحاجة إلى التجديد والتطوير.. وبين الإسلام!، مثلما نجحت في الماضي في الربط بين السلوك الإرهابي والإسلام دون غيره من الديانات!!.

هذا من حيث الشكل.

&

[ثانياً: من حيث الموضوع]:

(١) سبق أن تم السماح إعلامياً لبرامج تنتقد التُراث الديني.

(٢) في وقت استمرت فيه مؤسسة الأزهر ودار الافتاء في دورهما التقليدي، والذي يذخر في “بعض” جوانبه بما هو موضع إنتقاد وعدم معقولية.

(٣) الجدير بالملاحظة أن إنتقاد بعض ممارسات مؤسسة الأزهر ودار الافتاء لم يعد قاصراً علي شخوص مُحددة أو معينة (أمثال يوسف زيدان/إسلام البحيري/إبراهيم عيسي).

(٤) بل انضم كثير من العوام وجمهور غير المتخصصين إلى باحة إنتقاد بعض ممارسات مؤسسة الأزهر ودار الافتاء.

(٥) وهذا لا يعني صواب كامل مواقف وآراء زيدان/البحيري/عيسي أو القبول بها، بقدر ما هو يصب في تقليل استمرار التأييد التقليدي بمرور الوقت وبشكل تراكمي لمؤسسة الأزهر ودار الافتاء.

(٦) المشايخ ليسوا آلهة، مهما ذاع صيتهم، ولنا علي المستوي الشخصي من ٢٦ عاماً تجربة اقتراب من أحدهم، ولكني لا أبوح بها، إحتراماً لذكرى الرجل.

(٧) جدير بالذِكر والإهتمام، أن مسألة تجديد الخطاب الديني، لم تعُد قاصرة علي تنقية موروثات التُراث الديني (والتي سيظل خلافها ليوم الدين)، بقدر ما صار من “بعض” التحديات و التناقضات التي أصبح يثيرها العلم الحديث، مثل موضوع حمل المرأة للجنين الذي يمكن أن يستمر ٤ سنوات!.

(٨) ويقابل هذا، آراء وتجارب عُلماء كان من شأنها أن زادت من يقينية ومكانة الدين.

(٩) و كل هذا يأتي في وقت لا يوجد فيه – حالياً – للإعلام دور، ولا للأحزاب السياسية حضور.

(١٠) بينما الشارع المصري كان وسيظل أسيراً بمرارة وسلبية ما إنتهت إليه تجربة حُكم الاخوان المسلمون.

(١١) ولا يجب أن نتناسي أن ديننا ليس به موضع لما يُسمي رجل دين (عكس ديانات أُخري).

(١٢) وفي تقديري، أن تجديد الخطاب الديني، وتنقيته ، لا يعني بأي حال من الأحوال الاستبصار فقط بآراء المستشرقين.. وبعبارة أُخري، تجديد الخطاب الديني، مصادره وأُصوله ينبغي ان تكون محلية، وبما لا ينتقص من الذات.

(١٣) وللتذكير: أول لجنة لإصلاح الأزهر، كانت برئاسة إسماعيل صدقى باشا، عام ١٩٢٧، وشملت الكاتب والمفكر والرائد أحمد لطفى السيد/أبو الوفا التفتازاني/ الشيخ المراغي/عبدالعزيز جاويش/محمد علي بك علوبة/شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري.

(١٤) وفي نفس الوقت، ماذا نفعل إذا كان تاريخنا في العموم لم يكشفه ويستكشفه سوي المستشرقون والأجانب.

(١٥) والمؤسسة الدينية في مصر يُحسب لها أنها جاهرت بعدم الاعتراف بصحة العديد من الأحاديث المنسوبة للرسول صلّ الله عليه وسلم.

(١٦) ومن المعروف للكافة، ما حدث من “إسرائيليات” حيال التُراث الديني.

(١٧) وبمناسبة الإسرائيليات، يهمني في هذا الصدد توضيح أن الأمر ليس مُجرد فعل ماضي، بل هو واقع مُستمر!، والدليل هو ما أرصده اليوم من علاقة تربط {أوﻻد العم} ب {البهرة} و سُلطانها!.

(١٨) نحن لسنا في حاجة الي “تكوين” كي نستهدف ونُحقق التجديد في الموروثات الدينية.

(١٩) كما وأن “تكوين” ليست هي خير من يُعَبِر عن تجديد و تطوير الخطاب الديني.

(٢٠)  وأيضاً ؛ وحدة “بيان” ليست كافية لمواجهة الإلحاد والفكر اللا ديني (حسب التعبير الذي جاء مُصاحباً لإعلان قيام الوحدة).

(٢١) ومن حقي أن أتساءل: ما السر وراء تعمد إختيار إسم “تكوين” بالذات كي تكون واجهة لهذا التجديد المزعوم!، الا تعلمون أنه من أسماء/كُتب أسفار التوراه الكتاب المُقدس هي الآتية (التكوين)، الخروج، والتثنية.

(٢٢) ولمن يتساءلون عن مصادر تمويل “تكوين”، من {حق} الجميع طبعاً أن يتساءلوا، ومن {واجب}الدولة في الأساس أن تقوم بدورها في إيجاد الإجابة.

(٢٣) وبالمٌناسبة، لقد عاصرت بنفسي عام ٢٠٠٣ خلال وجودي بمكتب مدير أحد البنوك (لفتح حساب قُبيل مغادرتي مصر) واقعة قيام جهة رقابية بسؤال مُدير البنك عن تحويلات تأتي بإسم أحد الشخصيات التي تصدرت اليوم مشهد إعلان “تكوين” في ١٢ مايو الجاري!.

(٢٤) جاء ظهور تبيان (١) و (٢) عن مؤسسة “تكوين” ليتضمن أنها: {ستبتعد عن عقد المناظرات بين المتخاصمين، أو المواجهات بين المتخالفين}. وهذا معناه في تقديري أنها تتوخي البُعد عن فخ السقوط في الجدال الديني، وهو تصرف ذكي ومرحلي من “تكوين”، لاستيعاب مرحلة الصدمة الأولي.

(٢٥) وتضمن تبيان (٢) أولوية {الارتقاء بالمستوي الثقافي العام في مصر والبلاد العربية، لترسيخ العقلانية والتفكير المنطقي، سعيًا إلى التثقيف العام}. وهو في رأيي يعكس أهمية تحقيق التواجد والانتشار أولاً.

(٢٦) يتضح لي بجلاء، أن “تكوين” قررت أن تتجنب أي مواجهة مع التيار الديني وتكتفي بواجهة الثقافة العامة- هذا من جِهة، ومن جهةٍ أُخري إعلان إمتداد وتغطية نشاطها للدول العربية (طالما تضم شخصيات عربية) يجعل مسرح المواجهة مُمتداً.

(٢٧) وللتذكير: دعوة تجديد الخطاب الديني جاءت بشكل محدد علي لسان السيد الرئيس عام ٢٠١٨، وتكررت في ١٦ سبتمبر ٢٠١٩، وتكررت للمرة الثالثة في ٢٧ يناير ٢٠٢٠

(٢٨) ولعلنا جميعاً نتذكر موقف فضيلة شيخ الأزهر وردوده خلال المناظرة التي جرت في ٢٨ يناير ٢٠٢٠ مع أ.د. الخشت رئيس جامعة القاهرة.

(٢٩) وبالتالي؛ جاء رد الفعل اليوم بعد ست سنوات من إطلاق الدعوة!، ومُمّثلاً في “تكوين” (بغض النظر عن ماهيتها)؛ ليعكس ليس فقط البطء في رد الفعل؛ بقدر ما يرتبط  (في تقديري) بتوقيت الظهور والتزامن مع تطورات أُخري؛ هامة ومؤثرة؛ تخص الداخل المصري وما يُحيط بها!!.

هذا من حيث الموضوع.

&

[ثالثاً: الخلاصة]:

(١) تجديد وتطوير الخطاب الديني، هو في رأيي من الأمور التي يتعذر تحقيقها لمجرد أن يصدر بشأنها قرار فوقي/علوي/رئاسي.

(٢) الحوار العلني/المتوازن/المُتجدد/العقلاني/المتكافئ – بين أطرافه، يظل هو المطلوب، وبشكل مستمر؛ سواء تحقق ذلك في المواجهة، أو بشكل غير مباشر.

(٣) ولكن المعضلة هي كيف يحدث ذلك؟، و “الحوار” من حيث المبدأ في بلدنا غائباً و مُغيباً!. فما بالنا بـ “لٌغة الحوار”!.

(٤) والى أي مدي تكون المادة ٩٨و من قانون إزدراء الأديان، عاملاً مساعداً، أو عائقاً، لإتمام مثل هذا الحوار!.

(٥) ومن قال أن منصة تجديد وتطوير الخطاب الديني، ينبغي ان يعتليها – فقط – زيدان/البحيري/عيسي (وآخرين هُم ليسوا معروفين للشارع المصري)!.

(٦) وهل هؤلاء هُم النٌخب!، وأين هي النُخبة أصلاً؟، في مجتمع يفتقر للمشاركة السياسية!.

(٧) ولو كان الأمر بيدي، لأمكن لي: (أ) إخراج دعوة التطوير بشكل وسيناريو مُختلف، (ب) ترشيح العديد من الشخصيات، من رجال وسيدات مصر والعرب، الجديرين اليوم بمسئولية ملف تجديد وتطوير الخطاب الديني في هذه المرحلة.

(٨) رغم أن القضية واحدة، لكن تغير الأزمنة و العقليات، يجعل من الشخصيات التي تصدت لها وبنجاح في الماضي، لا تملك ذات التأثير في الحاضر.

——-

بقلم

سفير/ مدحت القاضي

[ عضو الهيئة الاستشارية لتحليل السياسات الإيرانية AFAIP – كبير مٌستشارين مركز القانون والعولمة CLG جامعة رينمين/بكين – عضو صفوة الخٌبراء المصريين للتنمية EEED – سفير مصر لدي سلطنة عٌمان & الكونغو (سابقاً) ]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى